: آخر تحديث

قرية أم قفص؟

14
12
23
مواضيع ذات صلة

قيل الكثير من المدائح في «فضائل» وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ما وفّره العالم الافتراضي من فرص للتواصل بين البشر لم تكن متيسّرة في الماضي. ربما بات للواحد منا أصدقاء افتراضيّون أكثر من أولئك الفعليين، وأغلبية هؤلاء الافتراضيين سيظلون كذلك، أي أننا لن نلتقي بهم يوماً في الحياة، فبيننا وبينهم محيطات وقارات، وسيقول قائل، وهو في ذلك محق، حتى القارات والمحيطات بات عبورها سهلاً ومتاحاً، كما لم يكن ذلك من قبل، فبين أبعد قارة عنا لا يلزمنا أكثر من بضع ساعات من الطيران للوصول إليها، في عالم يوصف بأنه بات قرية كونية.
ولكن الافتراضي مهما أصبح واقعياً يظل افتراضياً، وهذا قول ليس فيه حكم قيمة، أي أننا لا نميل إلى وصفه بالسلبي والإيجابي، ولا بأس أن نلجأ هنا إلى نمط الإجابات التوفيقية عن أي سؤال يوجّه لنا عن رأينا في أمر ما، فنردّ بالقول: له إيجابيات وله سلبيات، وهي إجابة محايدة إلى حدٍ بعيد، لا نخلص منها إلى رأي قاطع.

باحث في مجال التكنولوجيا والثقافة اسمه نيكولاس كار، نشرت مجلة «الثقافة العالمية» الكويتية ترجمة لمقال له وضعها د. محمد الشيمي، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة بني سويف في مصر، لا يذهب فيه إلى القول إن العالم بات قرية، وإنما على العكس تماماً، فقد اختار لمقاله هذا عنوان: «العالم أصبح قفصاً كبيراً»، والقفص قفص حتى لو كان كبيراً.

في هذا المقال يعبّر الكاتب عن حيرته في تسمية العصر الذي نعيشه، فهل هو عصر الرقمنة، أو المعلومات، أو الإنترنت، أو الحاسب الآلي؟ هل هو عصر الاتصال أو «جوجل»، أو هو عصر الرموز التعبيرية (الإيموجي)، أو الألعاب السحرية؟ هل هو عصر الهواتف الذكية، أو البيانات، أو «الفيسبوك»، أو «الروبوت»؟

 لا يقطع الكاتب بأي وصف نصف به عصرنا، ولكنه يفاجئنا بإنهاء أسئلته هذه بالسؤال التالي: «هل هو عصر ما بعد الإنسانية»؟ مشيراً إلى أنه كلما أكثرنا من الأسماء التي يمكن أن نطلقها على هذا العصر اقتربنا أكثر من الوهم.

 وفي خلاصة تجربته في الحياة يصل نيكولاس كار، إلى أنه لا يريد من التكنولوجيا عالماً جديداً، بل يريدها أدوات لاستكشاف العالم والإنصات إليه، يريدها أن تحقق له ما عناه شاعر وكاتب إيرلندي معاصر، هو جيرالد مانلي هوبكنز، (توفي في عام 2013) بقوله: «أشياء مفارقة للمألوف، أشياء مستحدثة، غريبة».
لا يبدو هدفاً كهذا سهلاً، لسبب معقد، وإن بدا بسيطاً، هو أن عالم الرقمنة ليس مجرد منظومة وسائل نستعين بها لتحقيق ما نرغب فيه، وإنما لأنه، بدوره، يعيد تشكيل ذواتنا، وعينا ذلك، أم لم نع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد