إيلاف من الرباط: قال ستفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، إن عام 2025 يُصادف مرور 50 عامًا على إدراج قضية الصحراء في جدول أعمال الأمم المتحدة، معتقدا أن الأشهر الثلاثة المقبلة تشكل فرصة لاختبار ما إذا كان الزخم الجديد، القائم على انخراط نشط ومتجدد من بعض أعضاء مجلس الامنيين، بمن فيهم الأعضاء الدائمون، في إشارة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، يمكن أن يُفضي إلى خفض التصعيد الإقليمي في شمال أفريقيا، ومن جهة أخرى إلى إعادة تنشيط خارطة طريق نحو حل نزاع الصحراء.
واشار دي ميستورا، في إحاطة قدمها حول قضية الصحراء، خلال جلسة مشاورات بمجلس الامن في نيويورك، الاثنين، إلى أنه في حال تحقق ذلك "سنكون قادرين على تقديم دعم فعّال"، موضحا أن جلسة أكتوبر 2025 ستكون مناسبة في غاية الأهمية لمجلس الامن. مشددا على أن عزيمته، التي يوافق عليها الأمين العام، لتيسير تحقيق هذا الهدف، ما زالت ثابتة.
وتطرق دي ميستورا إلى تطورين ثنائيين حديثين قد تكون لهما دلالات مهمة على الجهود المبذولة لخفض التوتر في المنطقة، وتيسير التوصل إلى حل متفق عليه بشأن نزاع الصحراء. وقال إنه في 8 أبريل الماضي، زار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة واشنطن، مشيرا إلى انه في بيان أصدره وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بعد لقائهما، وفي سياق إعادة تأكيد صريحة لإعلان الرئيس دونالد ترامب عام 2020، جدد روبيو تأكيد حكومته إيمانها بـ "حكم ذاتي حقيقي". كما أشار إلى إصرار الرئيس ترامب على التوصل إلى "حل مقبول من الطرفين"، وهو ما قال روبيو إن بلاده ستسعى إلى تسهيله بنشاط.
وذكر دي ميستورا أنه في تطور منفصل، وفي إطار جهد ثنائي لم يتضمّن أي إشارة مباشرة إلى ملف الصحراء، استقبلت الجزائر وزير الخارجية الفرنسي في 6 أبريل الجاري. وجرى الإعلان عن هذه الزيارة بعد مكالمة هاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون و إيمانويل ماكرون.
وعد دي ميستورا أن هذين التطورين لهما أهمية كبيرة. مشيرا إلى أن انخراط دولتين دائمتين العضوية في مجلس الامن دبلوماسيًا في المنطقة، هو مؤشر على الاهتمام المتجدد ليس فقط بالفرص، بل أيضًا بالمخاطر القائمة. وزاد دي ميستورا قائلا: "لم نشهد أي تحسن في العلاقات المغربية - الجزائرية، بل العكس". وأضاف "مثل هذا التحسن يُعتبر شرطًا أساسيًا لتفادي مخاطر اندلاع نزاع إقليمي، بالنظر إلى التوترات المستمرة، وغياب التواصل الدبلوماسي، وإغلاق الحدود، والزيادة الكبيرة أخيرا في شراء المعدات العسكرية المتقدمة والإنفاق المرتبط بها. ومن الواضح للجميع أن هذا التوتر المتصاعد في السياق الإقليمي له أهمية بالغة على البيئة التي تعمل فيها الأمم المتحدة ومجلس الامن لتيسير التوصل إلى حل سياسي لقضية الصحراء".
وذكر المسؤول الأممي أن "ثلاث رسائل إضافية وردت من السلطات الأميركية خلال زيارة الوزير بوريطة لواشنطن، وقد أعيد تأكيدها لي خلال اجتماعاتي في واشنطن يوم الخميس الماضي"، حيث عبّر محاوريه عن دعمهم لـ "المساهمات القيّمة والمتواصلة" التي تقدمها الأمم المتحدة من أجل إحلال السلام في الصحراء.
الرسالة الأولى، يقول دي ميستورا، هي أن الحكم الذاتي يجب أن يكون "حقيقيًا". وهذا يتماشى مع قناعته ومطلبه بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحتاج إلى توضيحات أكثر تفصيلًا، اما الرسالة الثانية فتتعلق بـ "حل مقبول من الطرفين"، وهي تذكير بأن التوصل إلى حل يتطلب مفاوضات فعلية بين الأطراف المعنية.
وتبقى الرسالة الثالثة والمهمة، هي أن الإدارة الأميركية الجديدة تعتزم الانخراط مباشرة في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه. وفي مثل هذه الحالة، وبالنظر إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتحت إشراف هذا المجلس والأمين العام، يمكن للأمم المتحدة – وأنا شخصيًا – يقول دي ميستورا، "تدعيم هذا الانخراط. لذلك أضيف أن هناك إحساسًا بالإلحاح، إذا كنا نريد المساهمة في خفض التصعيد في المنطقة، وفي الوقت ذاته السعي إلى حل قضية الصحراء".
وتحدث دي ميستورا عن تحركاته التي قام بها في المنطقة وقال: "خلال الأسابيع الماضية، زرت الرباط ونواكشوط وتندوف والجزائر. وخلال اجتماعاتي مع وزير الخارجية المغربي، ومع الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، استمعت إلى تأكيد مجدد على مواقفهم ومخاوفهم المعروفة، وكان الأمر ذاته مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف. أما الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ووزير خارجيته، فقد واصلا متابعة الوضع الإقليمي الدقيق عن كثب، وأكدا استعدادهما لدعم أي تقدم سياسي في ملف الصحراء بروح من الحياد الإيجابي".
وتطرق دي ميستورا بإيجاز لجوانب قال انها تستحق اهتمام مجلس الامن، منها الجانب المتعلق بالوضع على الأرض، مشيرا إلى أن زميله وممثل الأمين العام الخاص أليكسندر إيفانكو سيقدم عرضًا مفصلًا من منظور بعثة "مينورسو".
وأثار إيفانكو تساؤلات حول ما سماه "نظرية الحرب" التي تروج لها جبهة البوليساريو الانفصالية، مؤكدا أنها غير قادرة على إحداث تغيير عسكري في الوضع الراهن.
وقال إن الجبهة لا يبدو أنها قادرة على إلحاق ضرر كبير بالقوات المسلحة الملكية المغربية، ولا على تغيير الوضع الراهن بالوسائل العسكرية، ومع ذلك، فهي لا تزال ترفض دعواته لوقف الأعمال العدائية.
وأوضح إفانكو أن القوات المسلحة الملكية، التي تتمتع بقدرات عالية، أبدت قدرا كبيرا من ضبط النفس، مشيرا أنها وافقت على اقتراح هدنة خلال شهر رمضان، في حين رفضته جبهة البوليساريو ذلك.
وأشاد إيفانكو بـ "تعاون القوات المسلحة الملكية" مع بعثة "مينورسو"، ووجود تنسيق منتظم وفعّال على جميع المستويات، سواء من خلال الزيارات الدورية لقائد القوة إلى قيادة الجيش المغربي في أغادير (وسط المغرب)، أو عبر الدوريات البرية والطلعات الجوية التي تنفذ بانتظام.
وأضاف ايفانكو أن القوات المسلحة الملكية المغربية تؤكد إلتزامها بوقف إطلاق النار والاتفاقيات ذات الصلة، مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس.
وأعرب إيفانكو عن أسفه لاستمرار جبهة البوليساريو في تقييد حرية بعثة "مينورسو"، مشيرا إلى أن الدوريات البرية لا تتجاوز نطاق 20 كيلومترا، فيما يمنع على "مينورسو" القيام برحلات استطلاع جوية بطائرات مروحية، كما لا يزال قائد القوة غير قادر على عقد لقاءات مباشرة مع قادة جبهة البوليساريو في معسكر الرابوني.
في غضون ذلك، عبر دي ميستورا عن دعمه للعمل الذي يواصل إيفانكو وفريقه القيام به، رغم التحديات الميدانية والقيود المالية المستمرة. كما عبر عن أمله في أن يستمر دعم هذا المجلس والدول المساهمة بقوات وجميع المعنيين لعمل "مينورسو"، إذ يمكن أن يكون دورها مفيدًا جدًا في دعم المرحلة الأولى من أي حل متفق عليه. لأنه، يضيف دي ميستورا، عندما نلغي شيئًا في الأمم المتحدة، يصبح من الصعب جدًا إعادة إنشائه.
وبشأن العنصر الثاني، يقول دي ميستورا، فإنه يتعلق بالاحتياجات الإنسانية المستمرة للاجئين في مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر)، وما حولها.
وقال دي ميستورا: "خلال زيارتي للمخيمات هذا الشهر، التقيت بزملاء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، والذين أعربوا لي عن قلقهم العميق إزاء تقليص الحصص الغذائية، وهو تقليص قد يؤدي، في أسوءالأحوال، إلى انقطاع المساعدات كليًا هذا الصيف ما لم يتوفر تمويل جديد".