: آخر تحديث

تسلسل أحداث فتنة احتلال الكويت 9

3
2
3

يأتي هذا الجزء من الحديث عن السيرة الحركية لأخطر رجل في الجماعة الإرهابية، وهو العراقي محمد أحمد الراشد، والكلام فيه متصل عن فتنة احتلال الكويت، وكيف تسللت فكرة تحريم ومعارضة جلب القوات الأجنبية غير المسلمة، للمساعدة في تحرير دولة الكويت إلى عقول القائلين بها؟!

يمكن التقاط أول الخيط لفهم كيفية تسلل فكرة تحريم ومعارضة الاستعانة بالقوات الصديقة لردع عدوان صدام حسين، إلى الوسط الحركي السعودي، من خلال بيان وزارة الداخلية السعودية بشأن حال سفر الحوالي وسلمان العودة ومن معهما، الذي جاء تحت عنوان: «إيقاف 110 في المملكة بسبب أعمال تخريبية»، الذي كشف بوضوح أن «ثمة تعاونًا مع جهات خارجية جرى من قبل رؤوس الموقوفين الذين راموا إفساد السلم الاجتماعي، وحاولوا شق عصا الطاعة، وتفريق إجماع الأمة واجتماعها»، وما ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن توصيف بيان وزارة الداخلية بشأن التعاون مع جهات خارجية كان صادقًا ودقيقًا وشاملًا لكل ما جرى من قبل الصحويين في الفترة الممتدة من أغسطس 1990، وحتى سبتمبر 1994، والذي لم يكن مجرد اجتهادات، بل تنفيذ فعلي لأجندة خارجية خطيرة استهدفت استقرار الوطن.

كان الخلل في عدم تتبع أصل هذه الفكرة، هو انشغالنا بمظاهر الموقف دون التعمق في منشئه، فظننا أن فكرة المعارضة تلك جاءت من اجتهادات الثلاثي الصحوي، دون الالتفات لوجود أجندة خارجية، ولو حللنا تطابق الموقف خارج البلد بالموقف المعارض داخله لوجدنا أن ثمة روابط أعمق من مسألة تطابق في رأي فقهي، أو توجيه تنظيمي حركي مجرد، ليصل إلى مؤامرة سياسية بأجندة خارجية.

كما أنه يجب ألا يغيب عنا أن صدام حسين لم يكن عدوًا للجماعة الإرهابية، بل كان صديقًا خفيًا من أوائل الثمانينيات، وكانت هناك قنوات اتصال نشطة بينه وبين قيادات التنظيم الدولي، وهذه العلاقة شكلت أرضية لصياغة موقف الجماعة الإرهابية من الأزمة.

ويحسن بنا في البدء تناول الكيفية التي تلقت بها خلايا وتنظيمات الجماعة في مختلف البلدان ومنها السعودية ذلك الحدث الجلل والمزلزل، وذلك أنه فور الاجتياح سارع «محمد أحمد الراشد» العراب الأيديولوجي للجماعة ومن وراء الكواليس، في صياغة موقف حركي وسياسي وفكري متكامل، يعارض الاستعانة بالقوات الصديقة لتحرير الكويت، ويشرعن لعملية الاجتياح بتبريرات واهية- سيتم إيضاحها لاحقًا- وهو ما تبناه التنظيم الدولي، حيث لعب «الراشد» دورًا مركزيًا في القصة إذ كان أول من نظَّر وكتب عن الحدث من الإسلامويين قبل فتوى هيئة كبار العلماء وبعدها، ثم أعقب ذلك مجموعة من الاجتماعات الخاطفة والسريعة في عدد من الدول العربية كما أشار لذلك «الراشد» نفسه، قبل أن يتسلل الأمر إلى الثلاثي الصحوي، الذين بدورهم تصدروا المشهد، وشنوا حملة مضادة على فتوى هيئة كبار العلماء، التي أجازت الاستعانة بالقوات الأجنبية من منطلق السياسة الشرعية، التي وكَّلت الأمر إلى تقدير ولي الأمر الأدرى بالمصلحة في مثل هذه الظروف.

وحكاية الصحوة في أزمة احتلال الكويت بدأت مع «سفر الحوالي»: ففي يوم 11 أغسطس 1990 أفتت هيئة كبار العلماء السعودية، بجواز الاستعانة بقوات الدول الصديقة، وعلى رأسها أمريكا، لتحرير الكويت، وبعدها بأيام يقرر «الحوالي» في جدة، أن مساندة القوات الصديقة للخليج في رد عدوان صدام، إنما هو احتلال مُقَنَّع لبلاد الحرمين، وعنون الكاسيت الخاص بهذا الرأي بقوله تعالى: «فستذكرون ما أقول لكم»، قبل توزيعه بشكل كثيف، ثم أعقب ذلك بنشر رسالة حملت عنوان «كشف الغمة عن علماء الأمة»، والمعروفة «بوعد كيسنجر»، كتبها لهيئة كبار العلماء في السعودية، كرد على فتواها المشار إليها، ثم ألقى بعد ذلك محاضرة حاشدة وصاخبة في الرياض بعنوان: «ففروا إلى الله»، التي تصب في المعنى ذاته، ثم قفز اسم «سلمان العودة» إلى واجهة الأحداث، بمحاضرة ألقاها في بريدة كان عنوانها: «أسباب سقوط الدول»، في 27 أغسطس 1990، تلمح إلى أن الاستعانة بالأجنبي مؤذن بسقوط الدولة، وتلاها محاضرة في مدينة الرياض «لناصر العمر» بعنوان «تداعي الأمم»، وبعدها تبلور الرأي العام الصحوي والإسلاموي في السعودية؛ وفقًا لفحوى هذه الأدبيات الخمس، والتي جرت لاحقًا مجموعة من الأحداث أبرزها ما يعرف بخطاب المطالب في مايو 1991، وتكوين لجنة «لجام» في يناير 1992، ومذكرة النصيحة التي أصدرتها «لجام» في يوليو 1992، وتشكيل ما يعرف بلجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية في مايو 1993، وانعقاد ما سمي «مؤتمر نصرة الدعاة» في بريدة في سبتمبر 1994، ثم انفرطت بعد ذلك بسنة أو سنتين سلسلة أحداث الإرهاب تحت شعار «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» وما تلا ذلك من عمليات.

وثمة عوامل ثلاثة أسهمت في بلورة وولوج هذا الرأي الفطير إلى عقول صناع هذه الأدبيات التي طار بها الصحويون:

الأول: دور محمد أحمد الراشد في بلورة موقف ورأي مجلس شورى التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، عبر مجموعة من التقارير والدراسات.

الثاني: إدارة المشهد الصحوي السعودي في إطاره العام من قبل مسؤولي التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية.

الثالث: دور محمد سرور في تأجيج الداخل السعودي، عبر «مجلة السنة»، وما نشر فيها من مقالات ودراسات. ولتفاصيل هذه العوامل الثلاثة بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد