: آخر تحديث

أبو شكري وتركيا وأوزال

3
2
3

قد يكون الصديق والزميل المصرفي إبراهيم دبدوب، أبوشكري، أفضل من عرفته إدارات المصارف في الكويت، فقد أدار البنك الوطني في أصعب الظروف، وحقق لمساهميه نتائج مميزة، وترك وراءه جيلاً رائعاً، منهم الأخ عصام الصقر، الذي يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي للوطني، والأخ عادل الماجد، الرئيس التنفيذي لبنك بوبيان.

لا تتوافر معلومات موثقة عن بواكير حياة أبوشكري، لكنه بدأ حياته العملية، بعد انتهاء دراسته في معهد تركي، في الكويت عام 1961، للعمل في البنك الوطني. ولما امتاز به من قدرات أصبح خلال سنوات قليلة مديراً لإدارة القروض، وفي 1980 أصبح نائباً لرئيس المديرين العامين، وبعدها بثلاث سنوات تبوأ منصب الرئيس التنفيذي، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، تنحى عن الإدارة اليومية، ليصبح، لفترة، أمين سر مجلس إدارة البنك، قبل أن يدعوني وآخرين، في عام 2014، لحفل تكريمه بمناسبة تقاعده.

خلال عمله رئيساً تنفيذياً للبنك، استطاع الإبحار به بمهارة، والتغلّب على أزمتين يمكن وصفهما بأصعب ما يمكن أن يمر بهما أي مصرف؛ كانت الأولى في 1982 خلال انهيار سوق الأسهم، أو «أزمة المناخ»، والثانية خلال كارثة الغزو الصدامي في أغسطس 1990.

عمل تحت إمرة أبوشكري ما لا يقل عن 1500 موظف، وأدار 50 فرعاً محلياً، إضافة لشبكة من الفروع الخارجية غطت الخليج وهونغ كونغ ولبنان ولندن ونيويورك وجنيف وغيرها. وفاز عن جدارة، بألقاب عدة، من أبرزها أفضل مصرفي لعام 1995 من جمعية المصرفيين العرب، ومن اتحاد المصارف العربية.

مناسبة الحديث عن أبوشكري لا تتعلق فقط بكلمة وفاء لشخصية طالما سررتُ بمعرفتها، لخبرته وظرفه وابتسامته الدائمة، على الرغم من الظروف الأسرية الصعبة التي مر بها، متمنياً أن يكون في أفضل حال، بل والتعليق على ما ورد في مقابلة قديمة، انتشرت على النت، أخيراً، تبيّن منها اشتراكنا في صداقة راعي نهضة تركيا، بعد أتاتورك، الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، الذي تعرفت عليه سفيراً لبلاده في الكويت، وكان سكنه بجوار بيتنا القديم.

عندما كان أوزال سفيراً في الكويت، شجعني وعدداً من رجال الأعمال، بينهم الأخ يعقوب الجوعان، وياسين العنيزي، وعبدالعزيز المخيزيم، وكان ذلك في بداية الثمانينيات، على الاستثمار في تركيا. عاد بعدها إلى تركيا ليصبح وزيراً للتخطيط، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، وتالياً للجمهورية، وجدد دعوته لنا، وعرض علينا أراضي حكومية مجاناً، مقابل قيامنا ببناء مشاريع سياحية عليها. كما عرض علينا شراء قروض الدول الأوروبية على تركيا بخصم يبلغ 45 %، واستخدام المبلغ، بالليرة، في شراء مواد البناء، محلياً، وسداد أجور اليد العاملة. كان العرض مغرياً، فقمت بزيارة تركيا مع أحد المستثمرين، لكننا لم نتفق على قطعة الأرض، فقد اصطدمت خياراتنا بعوائق أمنية، فما أخترناه كان إما ملاصقاً لقصر رئيس الجمهورية، أو قريباً من منزل قائد الجيش، أو مشرفاً على مبنى المخابرات! كما أن وضع تركيا المالي المضطرب، وتوقفها عن دفع ديونها، والارتفاع الكبير في نسب التضخم، حيث كانت مصارفها تعطي المودعين فوائد تبلغ 90 %، تقريباً، كل ذلك دفعنا لرفض العرض، وتبيّن تالياً خطأ قرارنا، فبفضل أوزال نهضت تركيا وتقدمت وحققت طفرات اقتصادية مهمة.

يقول أبوشكري في المقابلة إنه تعرّف على أوزال في منزل السفير التركي، في زيارته الرسمية للكويت، وكيف طلب منه المساهمة في التخفيف من ضائقة تركيا، بعد أن توقفت كل بنوك العالم عن إقراضها، لكن أبوشكري اعتذر عن الاستثمار المباشر، لكن عرض عليه شراء تركيا النفط الكويتي، وقيام «الوطني» بتمويل مشترياته، وهذا ما تم بالفعل، حيث كان طلب الشراء الأول بقيمة 60 مليون دولار، سددتها تركيا بعد بضعة أشهر، وتجدد عقد الشراء مرات عدة، وكانت مبادرة البنك الوطني موضع تقدير لدى الحكومة التركية، وبداية استعادة البنوك الأخرى ثقتها بالاقتصاد التركي.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد