: آخر تحديث

فرصة نيويورك

5
5
4

بينما تتزاحم الملفات الدولية على طاولة الأمم المتحدة، يبرز مؤتمر نيويورك نهاية هذا الشهر كإحدى أهم المحطات السياسية المعنية بإعادة طرح القضية الفلسطينية ضمن سياق دولي جديد، بدعوة مشتركة من المملكة والجمهورية الفرنسية، يأتي هذا التحرك في وقت دقيق، حيث تشهد المنطقة مستويات غير مسبوقة من التوتر، وتبدو الحاجة ملحة إلى مسار سياسي يعيد التوازن ويمنح الأطراف فسحة للعودة إلى طاولة الحوار.

ما يلفت في هذا المؤتمر أنه ليس مجرّد حدث دبلوماسي، بل محاولة لإعادة تشكيل الأرضية السياسية لحل الدولتين، بعد سنوات من الجمود وتآكل الثقة، فالمملكة من خلال هذا الدور تؤكد أنها ماضية في دعم استقرار المنطقة عبر أدوات الحوار، وبما ينسجم مع مواقفها الثابتة في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها الحق في إقامة دولته المستقلة.

التحرك السعودي الفرنسي لا يعالج جوانب الأزمة فقط، بل يسعى إلى إطلاق رؤية شاملة تتعامل مع القضية كملف سياسي قائم لا كأزمة إنسانية مؤقتة. الاعتراف بفلسطين، وبلورة حلول مستدامة للوضع في غزة، وإعادة تأكيد المرجعيات الدولية، كلها عناصر مطروحة للنقاش بروح واقعية ومسؤولة.

وما يمنح هذه المبادرة زخمًا إضافيًا هو الالتفاف العربي المتزايد حول ضرورة استعادة العمل الجماعي والتمسك بالحلول السلمية، فبعد سنوات من التباينات الإقليمية، تبدو هناك فرصة سانحة لتقاطع الإرادات حول نقطة مركزية، وهي أن استمرار غياب الأفق السياسي لا يخدم أي طرف، وأن الوقت قد حان لمقاربة جديدة تتجاوز منطق الانتظار والتصعيد.

في ظل تردد بعض الأطراف، فإن هذا المؤتمر يكتسب رمزية خاصة، ليس المطلوب معجزات بل خطوات عملية تفتح المجال لاستئناف المسار السياسي، وتمنع تفاقم التوتر الإقليمي. والرياض، من خلال هذا الدور، تواصل سياستها الهادئة والفاعلة، القائمة على التوازن، والانفتاح، وتعزيز الاستقرار الجماعي.

ومع تعقيد المشهد الإقليمي وتعدد الأطراف الفاعلة، تبرز أهمية أن تكون المملكة لاعبًا قادرًا على مدّ الجسور بين العواصم المختلفة، لا من موقع الوسيط فقط، بل من موقع الشريك في صياغة التصورات المستقبلية، فالجهد الدبلوماسي السعودي لا يقوم على الضغوط، بل على إقناع الأطراف المتباعدة بأن الوصول إلى حل عادل وشامل هو الخيار الوحيد القابل للاستمرار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد