منذ أسابيع، تحتدم المواجهة بين إسرائيل والحوثيين في سيناريو يحمل في طياته أبعادًا دولية وتحديات غير مسبوقة. بينما تواصل إسرائيل دراسة رد استراتيجي حاسم، يجد الحوثيون أنفسهم في مرمى نيران إقليمية ودولية متزايدة، فهل نحن على أعتاب مواجهة شاملة؟
إيلاف من القدس: في أروقة وزارة الدفاع الإسرائيلية وقيادة الجيش في تل أبيب وفي مقر الموساد بهرتسليا وفي مواقع سرية داخل وخارج إسرائيل، يقوم الخبراء والمسؤولون بشحذ الأدمغة وقدح زناد الأفكار في محاولة للتوصل إلى صيغة رد تكون ملائمة لردع الحوثيين عن مهاجمة إسرائيل فجر كل يوم.
يقول مسؤول عسكري لـ"إيلاف" إن الهجوم الحوثي، وإن لم يكبد إسرائيل خسائر بالأرواح أو خسائر مادية، إنما يضرب المعنويات الإسرائيلية؛ لأن أكثر من مليوني إسرائيلي يضطرون مع بزوغ كل فجر إلى التدافع للوصول إلى الملاجئ أو الغرف الآمنة.
الشعور بالأمان شبه مفقود منذ أكثر من أسبوعين، حتى بعد انتهاء حرب لبنان الثالثة واقتراب نهاية حرب غزة التي لا يكاد الإسرائيليون يسمعون عنها، اللهم إلا اقتراب عقد صفقة مع حماس طال انتظارها، ويقول المسؤول إنها ليست قريبة.
وتفيد المعلومات أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة غير مسبوقة للحوثيين باليمن، تتضمن صواريخ باليستية وقصفًا بصواريخ خارقة للتحصينات، وهناك حديث عن ضربات نوعية قد تطال مسؤولين وقادة حوثيين، بالرغم من قطع الاتصالات والعودة إلى المراسلات الورقية والمراسيل من مكان إلى آخر في جبال اليمن الغريبة والبعيدة عن إسرائيل.
إلى ذلك، يقول المسؤول إن الضربة الواسعة لن تشبه الضربات السابقة، وإنها قد تكون متلازمة مع ضربات أميركية وبريطانية؛ لأن التنسيق بين الدول الثلاث بات معمقًا خلال الأشهر الأخيرة.
في هذا السياق، تستعرض "إيلاف" ما قام به الحوثيون منذ اندلاع حرب غزة وما قد تؤول إليه الأحوال خلال المرحلة المقبلة قبل دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب للبيت الأبيض وبعد دخوله.
تعرض محور المقاومة الذي تقوده إيران لضربات كثيرة في العام الماضي. فقد مُني حزب الله بهزيمة قاسية، وسقط النظام في سوريا، وهرب الأسد.
والآن، لم يتبقَّ لدى إيران سوى ذراع واحدة فاعلة نسبيًا يمكنها من خلالها إحداث الخراب والفوضى، ألا وهي الحوثيون في اليمن. منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نفذ الحوثيون مئات الهجمات ضد السفن التجارية والعسكرية في منطقة البحر الأحمر، وقُتل أربعة مدنيين من أفراد أطقم السفن. ردًّا على ذلك، نُفذت عشرات الهجمات في اليمن من قبل كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وكذلك من قبل إسرائيل.
نستعرض هنا تداعيات الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهل حققت أهدافها أم لا.
من هم الضحايا ومن هم المستفيدون من الوضع في البحر الأحمر؟في أكتوبر 2023، اندلعت حرب في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وانضم إليها حزب الله في لبنان. وقرر الحوثيون إضافة اليمن إلى الحرب بالفعل في ذلك الشهر، عندما بدأوا في إطلاق مسيّرات باتجاه إسرائيل. ونظرًا لبعد المسافة، وجدوا صعوبة في تحقيق الإنجازات، ولذلك قرروا التركيز على وجهة أقرب - خليج باب المندب، الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر وقناة السويس، والذي، لحسن حظ الحوثيين، يقع على ساحل اليمن.
وأعلنوا أنهم سيركزون على السفن التي لها علاقة بإسرائيل وتتعامل تجاريًا معها، والتي تشق طريقها إلى إيلات. وفي 19 نوفمبر 2023، حولوا التهديد إلى واقع عندما استولى مسلحون على السفينة GALAXY LEADER بينما كانت في طريقها من تركيا إلى الشرق الأقصى. وقد نفذوا عملية قرصنة مخالفة للقانون باستخدام طائرة هليكوبتر، حيث صعدوا على متن السفينة، وحولوا مسارها إلى سواحل اليمن، واختطفوا أفراد الطاقم البالغ عددهم 25 فردًا. كان هذا الحدث بمثابة بداية المعارك البحرية العالمية والتغيرات في التجارة العالمية. وبعد مرور أكثر من عام، لا يزال أفراد الطاقم محتجزين لدى الحوثيين.
وقبل أكتوبر 2023، كان نحو 15% من التجارة العالمية يمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق باب المندب. وفي نهاية عام 2023، انخفض عدد السفن المارة عبر هذا الطريق بنسبة 60% نتيجة الأزمة التي نشأت إثر هجمات الحوثيين. وقد أعلنت شركات الشحن الكبرى وقف عملياتها في المنطقة وتغيير مسار الإبحار حول القارة الأفريقية. أدى هذا التغيير إلى تمديد الرحلة من أوروبا إلى شرق آسيا لمدة أسبوعين وزيادة تكلفة الرحلة بشكل كبير؛ فعلى سبيل المثال، تكلفة الوقود اللازم للرحلة زادت بمقدار مليون دولار مقارنة بالرحلة عبر البحر الأحمر. وارتفعت أسعار النقل في العالم بنسبة عشرات بالمئة، وكذلك أسعار التأمين على الشحنات البحرية. علاوة على ذلك، شهدت أسعار البهارات ارتفاعات كبيرة منذ عدة أشهر، وقد أثارت هجمات الحوثيين قلقًا وخوفًا بين أفراد أطقم السفن، مما أدى أيضًا إلى رفع أسعار التأمين لقطاع الشحن في البحر الأحمر.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت الولايات المتحدة عن بدء عملية "الحفاظ على الازدهار"، والتي تم في إطارها إنشاء تحالف ثنائي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر. وبعد حوالي شهر، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية في اليمن ضد أهداف حوثية. وردًا على ذلك، أعلن الحوثيون توسيع نشاطهم لمهاجمة السفن التابعة لأميركا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى ما يتعلق بإسرائيل.
لم يكن تحالف إسرائيل وبريطانيا وأستراليا والبحرين هو الوحيد العامل في البحر الأحمر، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن عملية دفاعية، وانضمت قوات من دول الاتحاد الأوروبي لحماية السفن التجارية التي تبحر في البحر الأحمر. كما أرسلت دول أخرى، مثل الهند وباكستان، سفنًا حربية لحماية السفن التجارية ومساعدة السفن المتضررة.
في الأسبوع الماضي، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هجومًا واسع النطاق على أهداف حوثية في مراكز السيطرة ومستودعات السلاح والذخيرة ومنشآت إنتاج السلاح. وقد أسفرت هذه الهجمات عن ضرب قدرات الحوثيين وأحدثت أضرارًا كبيرة في بنيتهم التحتية، وقُتل في الهجمات عدد من الناشطين والمدنيين الحوثيين.
إن الضرر الذي لحق بالمدنيين اليمنيين في الهجمات على البنية التحتية للحوثيين ليس سوى جزء من الكارثة الثقيلة التي ألحقها الحوثيون باليمن خلال العام الماضي. وفي إطار محاولة الولايات المتحدة تقديم المساعدة الإنسانية لمواطني اليمن المقسم، تم قبل سنوات قليلة رفع اسم الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية العالمية. وبهذه الطريقة، أصبحت الهيئات الدولية قادرة على التجارة مع اليمن ككل ومع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسهولة، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للسكان الذين يعانون من حرب أهلية دامية منذ سنوات.
لكن بسبب عدوان الحوثيين، تم إعادتهم إلى قائمة المنظمات الإرهابية في يناير 2024، ومن هناك تعرضوا مرة أخرى لعقوبات مشددة. بالإضافة إلى ذلك، سبق لإسرائيل أن شنت ثلاث هجمات في اليمن ردًا على إطلاق الحوثيين الصواريخ والمسيّرات عليها. وفي إطار هذه الهجمات، تم تدمير أجزاء كبيرة من ميناء الحديدة، وزوارق القطر والجر، ومخازن النفط، والبنى التحتية الوطنية التي يستخدمها الحوثيون. ومع ذلك، يشكل هذا الميناء أيضًا الميناء الرئيسي لدولة الحوثيين، مما أدى إلى فقدان القدرة على نقل البضائع إلى اليمن.
ولا يتوقف ضرر الحوثيين باليمن عند إثارة الغضب والهجمات على البلاد فحسب، بل يتجلى أيضًا في التصرفات التي تلحق الضرر باليمن ومواطنيه.
بتاريخ 19 فبراير 2024، هاجم الحوثيون السفينة SEA CHAMPION، وهي سفينة أبحرت تحت العلم اليوناني ومملوكة لليونان. ونُفذ الهجوم على السفينة التي كانت في طريقها إلى اليمن من ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، بينما كانت تحمل قمحًا ضمن مساعدات إنسانية للمواطنين اليمنيين في المنطقة. وقامت السفينة نفسها بأكثر من 10 رحلات إلى اليمن لتقديم المساعدات الإنسانية إلى البلاد في السنوات الأخيرة. وقد هاجم الحوثيون سفينة محملة بالطعام كانت في طريقها إليهم، وهو حدث آخر عرّض فيه الحوثيون مصالحهم ومصالح المواطنين اليمنيين للخطر.
هذا، وهدّد الحوثيون بقطع الاتصالات العالمية. وفعلاً، بعد أسبوع، تضررت أربعة كابلات اتصالات بحرية تمتد بين السعودية وجيبوتي قبالة سواحل اليمن. لحسن الحظ، لم يتضرر الاتصال بشكل كبير لأن الكابلات التي تضررت كانت قديمة ولا تُستعمل للاتصالات العالمية.
ونفى الحوثيون أن يكون ذلك حادثًا ناتجًا عن أفعالهم.
في وقت مبكر من نوفمبر 2023، كانت هناك تقارير عن انقطاع الإنترنت في اليمن، والذي بدأ بعد محاولة هجوم من قبل الحوثيين في البحر الأحمر. وأصدر الحوثيون بيانًا قالوا فيه إنها أعمال صيانة لكابل تحت الماء، لكن تبين أن الضرر حدث بسبب أسلحة وانفجارات بحرية قام بها الحوثيون.
بتاريخ 18 فبراير 2024، هاجم الحوثيون سفينة الشحن روبيمار، رغم أنها مملوكة لبريطانيا وتديرها شركة من لبنان، وهي الدولة التي أعلن الحوثيون أن أفعالهم تأتي دعمًا لها إلى جانب دعم غزة. تعرضت السفينة لأضرار قاتلة وغرقت أخيرًا في أوائل مارس.
بتاريخ 24 فبراير 2012، تعرضت السفينة STAR IRIS، التي ترفع علم جزر مارشال ومملوكة لليونان، لهجوم من قبل الحوثيين أثناء نقلها الذرة من البرازيل إلى إيران.
في حادثة أخرى، بتاريخ 28 مايو، تعرضت السفينة LAAX لهجوم من قبل الحوثيين عدة مرات خلال رحلتها بينما كانت في طريقها إلى إيران. وصلت السفينة إلى وجهتها، لكنها بقيت في الميناء لأسابيع لإجراء تصليحات وصيانة.
أعمال الحوثيين أدت إلى إلحاق الأضرار برعاتهم في إيران. فقد أدى نشاط الحوثيين كوكلاء لإيران إلى جلب الكثير من الاهتمام الدولي السلبي لإيران، حيث يُنظر إلى إيران على أنها مسؤولة عن تسليح وتدريب وتمويل الحوثيين، وبالتالي تتحمل المسؤولية وقد تتعرض لعقوبات على ذلك.
ثانيًا، الدول التي تصب في مصلحة إيران والتي استثمرت كثيرًا في تقريب علاقاتها معها، هي من أبرز الضحايا نتيجة عدوان الحوثيين.
مصر:
من الدول التي تعاني من أضرار كبيرة مصر. في 27 أكتوبر 2023، هاجم الحوثيون إسرائيل، لكنهم وصلوا إلى مصر، إذ اعترضت القوات الجوية المصرية طائرة مسيرة فوق محطة كهرباء بالقرب من مدينة نويبع. وسقطت مسيرة ثانية في أحد مستشفيات مدينة طابا، مما أدى إلى إصابة ستة مدنيين. وفي حادثة أخرى، بتاريخ 23 ديسمبر 2016، اعترضت القوات الجوية المصرية هدفًا جويًا مشبوهًا بالقرب من مدينة ذهب في شبه جزيرة سيناء.
بالتزامن مع إطلاق الحوثيين سربًا من المسيّرات في البحر الأحمر، ليس من المستبعد أن تصل إحداها إلى مصر. لكن الضرر الأكبر الذي لحق بمصر يتعلق بالاقتصاد. تقلص الملاحة في البحر الأحمر يعني انخفاضًا حادًا في مرور السفن في قناة السويس، حيث يصاحب مرور السفن عبر القناة دفع رسوم للسلطات المصرية، التي تدر ما يقرب من 10 مليارات دولار سنويًا، وتشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المصري. كما أن حوالي 17% من احتياطيات الجنيه في البلاد تأتي من التجارة التي تمر عبر القناة.
في عام 2024، انخفض دخل مصر من القناة بنسبة 60%، وانخفض عدد السفن المارة عبرها بالنسبة نفسها، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. فمثلًا، قد مر عبر قناة السويس أكثر من 2000 سفينة في نوفمبر 2023، بينما في نوفمبر 2024، مرت أقل من 900 سفينة عبر القناة. وقد أدى هذا الوضع إلى خسائر تقدر بنحو ستة مليارات دولار للاقتصاد المصري.
السعودية:
الدولة الأخرى التي عانت من عواقب هجمات الحوثيين هي المملكة العربية السعودية. كان لدى المملكة والحوثيين ماضٍ دموي من القتال ضمن التحالف الذي يقوده السعوديون في اليمن، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين، واستمرار الحوثيين في إطلاق النيران على السعودية، مع التركيز على البنية التحتية للطاقة واحتياطيات النفط.
لكن في العامين الأخيرين، وخصوصًا منذ تجديد العلاقات بين السعودية وإيران في مارس 2023، يجري السعوديون والحوثيون عملية تفاوض وإرساء وقف لإطلاق النار بينهما. إلا أن الحوثيين عادوا مؤخرًا إلى تهديد السعودية بشن هجمات، زاعمين أن السعودية تساعد إسرائيل.
علاوة على ذلك، هناك أضرار تلحق باقتصاد المملكة العربية السعودية على شواطئ البحر الأحمر. التجارة منها وإليها تتم عبر البحر الأحمر، وبالفعل تعرضت عدة سفن للهجوم وتضررت خلال عبورها من أو إلى المملكة.
في الموانئ الرئيسية مثل جدة والملك عبد الله، تم تسجيل انخفاض كبير في عدد السفن والحاويات التي وصلت. في ميناء الملك عبد الله، انخفض حجم الحاويات بنسبة 88% في الربع الثالث من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023. وفي الربع الثاني من عام 2024، بلغ عدد الحاويات في ميناء جدة ما يقارب مليون حاوية، مقارنة بـ4.5 مليون حاوية في الفترة المقابلة من عام 2023.
كل ذلك يضع جهود التفاوض بين الطرفين تحت علامة استفهام، ويشكل مخاطر على العلاقات بين إيران والسعودية.
خلال أزمة البحر الأحمر، أعلن الحوثيون أنهم لن يمسوا السفن المرتبطة بروسيا أو الصين، وأكدوا لها القدرة على الإبحار بأمان في المنطقة. لكن التحركات على الأرض تظهر أن الحوثيين لا يستطيعون ضمان ذلك، بل يعرضون مصالح هذه الدول للخطر. وقد حذرت الصين إيران بالفعل من أن العلاقات التجارية بين البلدين قد تتضرر إذا تضررت مصالح الصين في البحر الأحمر. ومن المهم الإشارة إلى أن البحر الأحمر وقناة السويس يشكلان جزءًا مهمًا من الطريق التجاري الصيني مع أوروبا، وبالتالي فإن أي ضرر يلحق بهذا الطريق وزعزعة الاستقرار في المنطقة منذ البداية يؤثر على نقل البضائع بين الصين وأوروبا.
تعرضت السفن المملوكة للصين على الأقل (بما في ذلك هونغ كونغ) للهجوم بل وتضررت. وقد تعرضت هذه السفن للهجوم أكثر من السفن المملوكة لإسرائيل أو أمريكا أو بريطانيا، رغم أن هذه الدول هي الهدف المعلن للحوثيين. ورغم تصريح الحوثيين بأنهم لن يهاجموا السفن في طريقها إلى روسيا أو الصين، فقد تعرضت أربع سفن على الأقل للهجوم أثناء إبحارها من روسيا (ماتارو، ويند، تشيوس ليون، بنتلي).
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تستخدم روسيا الطريق البحري للتحايل على العقوبات الغربية وبيع النفط إلى الصين والهند، حيث يمر هذا الطريق عبر البحر الأحمر. وقد هاجم الحوثيون عدة سفن تحمل النفط الروسي أو المنتجات المصنوعة في روسيا. كشفت الهجمات المتكررة ضد ناقلات النفط الروسية عن "طائرات الظل" الروسية التي تتحايل من خلالها على العقوبات. على سبيل المثال، تعرضت السفينة CHIOS LION للهجوم بتاريخ 15 يوليو 2024 أثناء نقل النفط من روسيا إلى الصين. ونتيجة للهجوم، عادت السفينة إلى مسارها بعد أن أحدث الاصطدام تسربًا، تاركة أثرًا نفطيًا بطول 220 كيلومترًا في البحر. وإلى جانب الأضرار البيئية، بقي جزء كبير من الشحنة في البحر ولم يصل إلى وجهته.
تعرضت شركة HUANG PU للهجوم عدة مرات بتاريخ 23 مارس 2024، رغم أنها مملوكة لهونغ كونغ وتدار تحت إدارة صينية، وكانت تحمل النفط الروسي. علاوة على ذلك، فإن إحدى السفن الثلاث التي أغرقها الحوثيون، وهي TUTOR، والتي تعرضت للهجوم بتاريخ 24 يونيو 2012 وغرقت بعد أيام قليلة، كانت تحمل الفحم من روسيا إلى الهند. أسفر الهجوم عن مقتل أحد أفراد الطاقم، وهو مواطن نيبالي، وضياع الحمولة الكبيرة.
الأضرار التي لحقت بالحيتان في البحر الأحمر لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية والهجمات فقط، بل أحدثت أضرارًا بيئية هائلة. على سبيل المثال:
- بتاريخ 18 فبراير 2024، تعرضت السفينة RUBYMAR للهجوم وغرقت بتاريخ 2 مارس. كانت السفينة تحمل 21 ألف طن من الأسمدة الزراعية المكونة من الفوسفور والنيتروجين والكبريت، إلى جانب الوقود الذي كان على متنها للرحلة، مما تسبب في حدوث بقعة نفطية كبيرة أثناء غرق السفينة.
- في يوليو 2024، خلفت السفينة CHIOS LION مسارًا نفطيًا يزيد طوله عن 200 كيلومتر على طول البحر الأحمر بعد تعرضها لهجوم الحوثيين.
وقع الحدث البيئي الأكبر في 21 أغسطس 2024 عندما اصطدمت السفينة اليونانية SUNION بالأسلاك البحرية. كانت السفينة تحمل نحو مليون برميل من النفط، وتعرضت لأضرار كبيرة على يد الحوثيين. اضطر الطاقم إلى ترك السفينة التي كانت تنجرف وكانت على وشك الغرق. الكمية الهائلة من النفط الموجودة على متن السفينة عرضت المنطقة بأكملها لخطر أكبر حدث تلوث بحري في هذا القرن.
ناشدت دول مختلفة إيران وهايتي الحصول على إذن للحضور وقطر السفينة قبل أن ينتشر النفط عبر البحر. وبعد بضعة أيام، سمحت السلطات لسفينة أوروبية بسحب SUNION إلى بر الأمان، وبالتالي، تم تجنب كارثة بيئية واسعة النطاق في اللحظة الأخيرة.
بالإضافة إلى الأضرار البيئية في البضائع وقطع السفن والذخائر في البحر الأحمر، هناك منطقتان أخريان يزيد فيهما الحوثيون من التلوث البيئي. اندلعت حرائق في العديد من السفن نتيجة الهجمات، مثل السفينة مارلين لواندا، التي تعرضت للهجوم في 26 يناير 2024 أثناء نقل النفط من روسيا. اندلع حريق على متن السفينة حتى تمكن الطاقم، بمساعدة دول أخرى، من إخماده.
علاوة على ذلك، فإن كل رحلة تقوم بها السفينة تطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استخدام الوقود في الرحلة. ولذلك فإن تمديد العديد من الرحلات لمدة أسبوعين بسبب الطواف حول أفريقيا أدى إلى زيادة كبيرة في تلوث الهواء الناجم عن استخدام الوقود. وتشير التقديرات إلى أنه في عام 2024، تمت إضافة 14 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات السفن بسبب أزمة البحر الأحمر.
منذ أكثر من عام، يهاجم الحوثيون السفن في جميع أنحاء البحر الأحمر. ورغم أنهم صرحوا بأن الغرض من الهجمات هو إلحاق الضرر بالسفن التابعة لإسرائيل والاقتصاد الإسرائيلي، إضافة إلى السفن البريطانية والأمريكية، فإن الضحايا الرئيسيين لعدوان الحوثيين هم دول المنطقة مثل السعودية ومصر، ودول مهمة بالنسبة لهم مثل الصين وروسيا، وزعيمة المحور إيران، والأهم من ذلك كله - اليمن والحوثيون أنفسهم.
الآن، وقد أصبح المحور في أدنى مستوياته بعد هزيمة حزب الله وانهيار نظام الأسد، يحتاج الحوثيون إلى أن يدركوا أنهم يضرون بالمحور أكثر مما ينفعونه. في هذه النقطة الحرجة من ضعف المحور، فإن آخر ما تحتاجه إيران هو أعداء من الداخل، خاصة مع اقتراب دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتهديداته بضرب إيران عسكريًا بالتعاون مع إسرائيل.