الرباط: عن سابق إرادة وتصميم أو بمحض الصدفة، اختار مغاربة الزواج بأجانب، أو ما يصطلح عليه بـ"الزواج المختلط"، ليثبتوا أنه تجربة ناجحة لا تختلف عن الارتباط بأناس من نفس البلد إلا في تسميته.
وإذا كان البعض يعتبر أن الزواج بين شخصين اختارا إتمام مسارهما الحياتي معًا هو ارتباط وتلاحم يفوق حدودهما ليصل للأسر والعائلات، فإن الزواج المختلط يمثل مزيجًا بين الحضارات والثقافات يجمع شريكين، ويوحد بينهما في تناغم، تتلاشى معه الفروقات والاختلافات بشكل تام.
رومانسية وتفاهم
بالنسبة للمياء، سيدة ثلاثينية، من مدينة الرباط، فأمر الارتباط بشخص من خارج بلدها كان أمرًا مفروغاً منه، وهي التي عاينت تجربتين لقريبتيها اللتين فشلتا في حياتهما الزوجية، فضلاً عن المعاناة التي تكبدتاها بسبب اختيارهما لشخصين غير مناسبين، وهو ما اتضح لاحقًا من خلال معاشرتهما لهما، والمشاكل التي صادفتهما، وبددت أحلامهما في العيش بسعادة، وبخرت الوعود الواهمة التي قطعت لهما.
تقول لمياء "أنا إنسانة رومانسية وحالمة بطبعي، لذلك كنت أتمنى أن أكمل ما تبقى لي من حياتي رفقة إنسان يقاسمني نفس السمات، والأهم من ذلك هو استمرار المحبة والتواصل في علاقتنا الزوجية، و ألا تقتصر على الأشهر الأولى فقط لتختفي بعدها دون رجعة".
وتضيف ان لقاءها بزوجها اللبناني الجنسية كان عن طريق غرفة للدردشة في الإنترنت، ليتطور الأمر تدريجيًا لعلاقة جدية، توجت بالزواج وإنجاب طفلة.
وعن السبب وراء انجذاب مغربيات لأجانب، تقول "أي اختلاف عن الثقافة واللغة يكون محبوبًا ويجذب إليه الناس بصفة عامة، لكن ما أثار انتباهي وجعلني أتعلق بزوجي هو تقديره للمرأة، وطريقته الراقية في التعامل معي، والتي قد تغيب لدى رجال في مجتمعنا كي لا أظلم البقية، حيث تغلب العقلانية أكثر من المشاعر في اختيار شريكة الحياة".
تعترف لمياء أن المرأة المغربية لديها الكثير من المزايا والإيجابيات، مما يجعلها حلمًا لدى مواطنين من جنسيات مختلفة، فهي امرأة صبورة، تحترم زوجها، تقدس الحياة الزوجية، علاوة على كونها ربة بيت ممتازة، إنسانة يعول عليها، فضلاً عن جمالها الرباني، والذي ينعكس بشكل كبير على روحها وقلبها"، تشرح بابتسامة عريضة.
تعيش لمياء رفقة زوجها في دولة قطر بحكم عمله هناك، مما يجعلها تعاني بشكل ضمني من الغربة والبعد عن الأهل والأحباب، توضح بنوع من الأسى والحزن "ما يحز في نفسي هو بعدي عن أسرتي، صحيح أننا نزورهم كلما سنحت لنا الظروف بذلك، لكن هذا لا يخفف من افتقادي لهم، المغرب حاضر في كل جزء من منزلي، من خلال الأثاث والديكور وحرصي الدائم على طهي أكلات مغربية أصيلة، أحاول ولو جزئيًا أن أنقل أجواء بلادي إلى مكان إقامتي".
ارتباط بمحض الصدفة
لم يكن يتوقع حسن، 28 سنة، أنه سيقترن يومًا بفتاة من بلد مغاير لثقافة مجتمعه، وهو الذي هاجر بعد حصوله مباشرة على شهادة البكالوريا للولايات المتحدة بغية إتمام دراسته العليا، ليتعرف بمحض الصدفة على فتاة أحلامه، كما يصفها، لتصبح زوجته ورفيقة دربه.
يعتبر نفسه محظوظًا بها لكونها إنسانة طيبة وخلوقة، طباعها لا تختلف كثيرًا عن الثقافة المغربية الأصيلة، يشرح"اعتناقها للإسلام جعلها تحتل منزلة خاصة في قلوب جميع أفراد العائلة، خاصة والداي اللذين يكنان لها كل التقدير والمودة، ففي كل مرة نعقد فيها العزم على زيارة المغرب، تشعر بالغبطة والانشراح، لكونها عشقته وأعجبت بطيبة أهله المنقطعة النظير".
لا يخفي حسن رغبته في الرجوع والاستقرار في بلده الأم رفقة زوجته مستقبلاً،"موضوع الإنجاب حاليًا مؤجل بالنسبة لنا، إلى أن تستقر أمورنا بشكل واضح، كما أنني أرغب في أن ينشأ أبنائي على الثقافة المغربية والقواعد الإسلامية السمحة"، يضيف بنبرة حازمة.
وبخصوص"الزواج بأجانب"، يتحفظ حسن على التسمية، معللاً الأمر بكون هذا الارتباط يقرب بين الشعوب، ويجعل طرفيه يحتكان بشكل أعمق بثقافات بعضهما البعض، والاطلاع على تقاليد وعادات البلد، الذي ينتمي له شريك الحياة، موضحًا: "صحيح أن الأمر يبدو منطقيًا نوعًا ما إذا ما أثير على الصعيد العام، أما بالنسبة للشخص الذي عاش هذه التجربة، فشريكه لم يعد قط أجنبياً بالنسبة له، وهذا هو المهم".
النساء هنّ المعنيات
وفق محكمة قضاء الأسرة بالرباط، فقد سجل 259 طلبًا للزواج من مواطنات مغربيات سنة 2016، من ضمنهم 51 فرنسيًا، فيما توزعت البقية على دول أخرى عربية وأوروبية، تهم: الولايات المتحدة ، بريطانيا، كندا، إيطاليا، ألمانيا، اسبانيا، تركيا، ليتوانيا، الجزائر، تونس، السعودية، العراق، الإمارات، الأردن، لبنان و سوريا، حيث أضحت زيجات السوريين مع مغربيات تتزايد بوتيرة مضطردة عما كانت عليه من قبل، وذلك بالنظر لتوافد مواطنين سوريين للمغرب بسبب ظروف الحرب ببلادهم.
ولم يعد الفرنسيون في مقدمة الأجانب المتزوجين من مغربيات، كما كان عليه الحال في السنوات السابقة، حيث وصل عددهم عام 2003 إلى 116 حالة، متبوعين بالإيطاليين بـ 20 حالة، والكنديين 19 حالة، والأميركيين بـ 18 حالة.
كما سجل قسم الزواج التابع لقضاء الأسرة بالعاصمة الرباط توصله بـ56 طلبًا للزواج من مغربيات، وذلك خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2017 ، وبالتحديد من اول يناير إلى 22 من شهر مارس من السنة الحالية، و حلت كل من بريطانيا وإيطاليا في المرتبة الأولى مناصفة، بـ 4 مواطنين من كل بلد، مقابل 3 ألمانيين، فيما توزعت بقية الطلبات على دول أخرى.
الجنسية المغربية
يعد تعديل الفصل العاشر من قانون الجنسية مكسباً جديداً للمرأة المغربية وللأسر المختلطة، وينص على أنه يمكن للأجنبية المتزوجة من مغربي أو الأجنبي المتزوج من مغربية بعد مرور خمس سنوات على الأقل من إقامتهما معاً في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة، أن يتقدما في أثناء قيام العلاقة الزوجية إلى وزير العدل والحريات بتصريح لاكتساب الجنسية المغربية، كما يمكن ابن الزوجة المغربية أسوة بابن الزوج المغربي من الحصول على الجنسية عن طريق النسب والبنوة.
وتم تدعيم القانون بمجموعة من مقتضيات الدستور المغربي، التي تتحدث عن تشبث المغرب بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والالتزام بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليه دولياً، وحظر كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو اللغة أو الانتماء الاجتماعي، فضلاً عن مقتضيات أخرى واردة في الدستور في باب الحريات والحقوق الأساسية، التي ارتقت إلى تمتيع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة وفق القانون.