: آخر تحديث

الإعدام: أداة القمع وبقاء الاستبداد الديني في إيران

9
10
8

تقارير جديدة تشير إلى أنّ عمليات الإعدام في إيران شهدت ارتفاعاً غير مسبوق خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2024. فقد أفاد "مرصد حقوق الإنسان في إيران" (Iran HRM) بإعدام 178 شخصاً خلال هذا الشهر، وهو العدد الشهري الأعلى منذ أكثر من عقدين. هذا الارتفاع في الإعدامات تحت رئاسة مسعود بزشكيان أثار مخاوف جدّية حول تصاعد القمع القضائي وتدهور حالة حقوق الإنسان في إيران.

تولى بزشكيان السلطة في فترةٍ اتسمت بالسخط الاجتماعي الواسع. والآن تشير التقارير إلى أنه خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) وحده، تم تنفيذ إعدامات بمعدل إعدام واحد كل أربع ساعات، مما أثار قلق المجتمع الدولي إزاء مستقبل حقوق الإنسان في إيران. وقد حذّر العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان من أنّ تصاعد هذه الإعدامات قد يؤدي إلى أضرار اجتماعية واسعة النطاق، خاصة على الفئات الهشّة والمجتمع ككل.

التنفيذ غير العادل لعقوبة الإعدام وضحاياه
أظهرت التقارير أنّ معظم الإعدامات التي نُفّذت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) تعلّقت بجرائم مرتبطة بالمخدرات، وهي جرائم يكون المتهمون فيها غالباً من الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع. وفي صفوف الذين أُعدموا، برزت أسماء من أقليات إثنية ودينية، منهم البلوش والأكراد وحتى أفراد من الديانة اليهودية. من بين الأمثلة، إعدام الشاب اليهودي "آروين قهرماني" الذي اعتُقل بتهمة القتل خلال شجار وهو في سنّ الـ18، ورغم الغموض المحيط بإجراءات محاكمته، وتوسلات عائلته لوقف الإعدام، إلا أنه أُعدم في سجن ديزل‌آباد بمدينة كرمانشاه. كما وردت في هذه التقارير حالات متعددة لإعدام قاصرين، مما يسلط الضوء على انحراف إيران عن المعايير الدولية لحقق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل.  

ومن القضايا البارزة الأخرى، إعدام القاصر "مهدي براهوي" الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً فقط وقت ارتكاب الجريمة المزعومة. مثل هذه الإعدامات تشكّل انتهاكاً واضحاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتبرز أنّ الإجراءات القضائية الحالية في إيران، تحت رئاسة مسعود بزشكيان، تتسم بشدة متزايدة.  

ومن الأمثلة الأخرى على هذه الإعدامات الوحشية، إعدام السجين السياسي "جمشيد شارمهد"، الذي اختطفه عملاء وزارة الاستخبارات الإيرانية من مدينة دبي في الإمارات في 1 آب (أغسطس) 2020 وتم نقله إلى إيران. وبعد محاكمة صورية، حُكم عليه بالإعدام بتهمة "الإفساد في الأرض والمحاربة"، ونُفّذ الحكم فجراً في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2024.  

وفي هذا الصدد، أصدرت أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بياناً جاء فيه: "نددت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قِبَل المقاومة الإيرانية، بعمليات الاختطاف وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المخطوفين من قِبَل النظام الإيراني الدموي. ودعت حكومات ألمانيا والسويد وفرنسا إلى المطالبة بمحاسبة النظام الإيراني في مجلس الأمن الدولي على ثلاث حالات اختطاف انتهت بالإعدام، وطالبت بمحاسبة النظام على هذه الجرائم".  

وأضافت رجوي أنّ المقاومة الإيرانية، منذ أربع سنوات، كانت قد دعت حكومات السويد وفرنسا وألمانيا إلى التدخل لمنع هذه الجرائم، حيث أكدت في بيان صدر في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 ضرورة الإشراف والعمل الحكومي على قضايا الاختطاف، وإعادة المحتجزين فرج الله كعب اسیود، وجمشيد شارمهد، وروح الله زم إلى بلدانهم الأصلية".

ردود الفعل الدولية ومواقف المقررة الخاصة لحقوق الإنسان
أدى تزايد عمليات الإعدام في إيران إلى ردود فعل دولية واسعة. ففي الدورة التاسعة والسبعين للجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حذرت الدكتورة ماي ساتو، المقررة الخاصة لحقوق الإنسان بشأن إيران، من هذا الاتجاه ووجهت انتقادات صريحة حول حالة حقوق الإنسان في إيران. وأكدت ساتو أنَّ فرض العقوبات لا يمكن أن يكون مبرراً لانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين الإيرانيين. كما تابعت بشكل مستمر عبر حسابها على منصة "إكس" (@drmaisato) تقديم تقارير حول حالة حقوق الإنسان في إيران، داعية إلى وقف الاستخدام المفرط لعقوبة الإعدام.

أشارت ساتو بشكل خاص إلى تأثير هذه الإعدامات على الأقليات الدينية والإثنية وكذلك على الشباب والنساء، مؤكدةً أن الاتجاه الحالي في إيران لا يمكن قبوله كإجراء قانوني وإنساني. وطالبت في هذا السياق بالشفافية في الإجراءات القضائية، وإنهاء استخدام عقوبة الإعدام في الجرائم غير العنيفة، بما في ذلك الجرائم المرتبطة بالمخدرات.

سياسة الإعدامات الواسعة وأجواء التستر
العديد من عمليات الإعدام التي نفذت في الأشهر الأخيرة لم يتم الإعلان عنها علنًا، بل جرت في صمت إعلامي. هذا التستر في تنفيذ الإعدامات لم يقتصر على خلق المزيد من الخوف وانعدام الأمن في المجتمع، بل زاد من المخاوف بشأن الشفافية والمساءلة الحكومية. عدم نشر المعلومات الدقيقة عن هذه الإعدامات بشكل علني قد عزز القلق حول حقوق الإنسان، وحافظ على السلطات الإيرانية بعيدًا عن الانتقادات الدولية.

من المهم الإشارة إلى أن في الاستبداد الديني الذي يحكم إيران، لا يُعتبر الإعدام نوعًا من العقوبات في معناها القضائي الكلاسيكي، بل هو أداة لزرع الخوف والرعب في المجتمع، ولمنع أي تحرك أو انتفاضة من قبل الشعب الغاضب والمحتج. منذ أربعة عقود، استخدم النظام الإيراني هذه الأداة من أجل بقاء سلطته.

الاحتجاجات والحملة «ثلاثاء لا للإعدام» من قبل السجناء السياسيين
في هذه الأجواء المقلقة، تحولت حملة «ثلاثاء لا للإعدام»، التي بدأت من سجن قزل حصار، إلى حركة احتجاجية واسعة. بدأت هذه الحملة بهدف جذب الانتباه العام إلى الإعدامات القاسية ووقف تنفيذ هذه الأحكام في إيران، وقد توسعت الآن لتشمل 24 سجنًا في مختلف أنحاء إيران. في الأسابيع الأخيرة، انضم أفراد عائلات السجناء المحكوم عليهم بالإعدام إلى هذا الاحتجاج، وأعلنوا دعمهم للسجناء السياسيين المضربين عن الطعام خارج السجون. أصبحت هذه الحملة رمزًا للمقاومة ضد استخدام عقوبة الإعدام في إيران، وتظهر عزيمة المجتمع من أجل التغيير في النظام القضائي للبلاد.

الدعوة إلى الدعم الدولي
الزيادة الملحوظة في عمليات الإعدام في إيران، خاصة تحت رئاسة مسعود پزشکیان، أظهرت الحاجة الماسة لإجراءات فورية من قبل المجتمع الدولي. وقد دعت المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيقات مستقلة حول وضع عمليات الإعدام في إيران ومتابعة المساءلة عن الانتهاكات الحقوقية.  

في الختام، ومع استمرار هذه العملية، من الضروري أن يتعاون جميع الناشطين في حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والدول بشكل منسق لضمان أن يتم فحص هذه الإجراءات بشكل فعّال تحت إشراف ورقابة، حتى لا تُغلق أصوات الضحايا ويتم تحقيق العدالة لهم. هذه المطالبة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التضامن الدولي والرقابة الجادة على الوضع الحقوقي في إيران.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.