مرّ أكثر من عام كامل على الحرب التي دمرت قطاع غزة، ولم تتوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن قتل المدنيين وترويع الصغير والكبير واعتقال الشباب، وتحويل القطاع إلى كومة ركام ومكان غير صالح للعيش. نعلم جميعاً مدى تغير المشهد في غزة بعد اغتيال إسرائيل ليحيى السنوار، زعيم حركة حماس، وكذلك استهداف عناصر ومقرات الحركة في رفح وجميع أنحاء غزة. وفي خضم هذه الأحداث، عادت من جديد جهود الوساطة المصرية والقطرية برعاية الولايات المتحدة الأميركية من أجل التهدئة في غزة ووقف الحرب، لكن إسرائيل تصر على شروط غير قابلة للنقاش لوقف هذه الحرب الشعواء.
ومن بين شروط إسرائيل، إبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس تشمل الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين "دفعة واحدة"، ومنح قادة حماس ممراً آمناً للخروج من غزة إذا ألقوا أسلحتهم، وفي المقابل يتم الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ولكن بشرط تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
في الحقيقة، فإنَّ هذا الشرط هو الأنسب والأفضل لأهالي غزة، لأنه يمكن أن يوقف الحرب التي استمرت لأكثر من عام. هذا، إضافة إلى أن السلطة الفلسطينية هي سلطة حكيمة وراشدة وتستطيع أن تتعامل بدبلوماسية مع إسرائيل، لتحصل على حقوق أهالي غزة في العودة إلى بيوتهم مع وقف الحرب واستمرار التهدئة، ولتقوم بعد ذلك بتنفيذ خطة إعمار غزة بشكل تدريجي، كما تستطيع الحصول على الدعم المادي من جميع بلدان العالم والمنظمات الدولية من أجل دعم وتعزيز إعادة إعمار القطاع مجدداً وحق أهله في العودة إلى بيوت آمنة.
وأعلنت بعض قيادات الحركة أن حماس منفتحة على أي اتفاق أو أفكار تُنهي معاناة شعب غزة، وتوقف إطلاق النار بشكل نهائي وتؤدي إلى انسحاب الاحتلال من كامل القطاع ورفع الحصار وتقديم الإغاثة والدعم والإيواء لأهالي القطاع. كما قد تدرس الخروج الآمن لها ولجميع مقاتليها من غزة إلى السودان، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة ووقف الحرب تماماً، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، خاصة أن فرص حماس في حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب باتت شبه مستحيلة.
وهنا، قد تحصل الحركة على مكاسب مالية وسياسية، خاصة مع إبداء الجيش السوداني موافقته على استضافة جميع قادة حماس ومقاتليها على أراضيه، مع تحرير أموالهم المحتجزة في البنوك السودانية وتسليمهم كل العقارات والأموال والمحطة التلفزيونية التي كانت تملكها الحركة في الخرطوم إبان حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
إقرأ أيضاً: حزب الله ودعم محور إيران على حساب الشعب اللبناني
أما عن وسطاء الصفقة، فهم يعملون الآن على إقناع حماس وإسرائيل بمقترح لوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة وتبادل محدود للأسرى كعلامة على حسن النية من الطرفين، على أن تبدأ المفاوضات الفورية لوقف إطلاق النار بشكل دائم في غزة في ظل عدم وجود اشتباكات جارية. وقد تثمر هذه الصفقة عن شيوع الهدوء في المنطقة، سواء على صعيد فلسطين ولبنان، وتحسين الظروف الاقتصادية لباقي دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن تسببت الاضطرابات الجيوسياسية في أزمات اقتصادية متتالية.
وإذا تمت الصفقة بالفعل، فهنا يبقى أهل الأرض وسكانها الأصليون، وتنسحب قوات جيش الاحتلال من غزة، وتخرج حماس عبر معبر رفح إلى مصر، ثم إلى السودان بعد أن تتولّى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع. وينبغي على السلطة الفلسطينية من الآن أن تفتح باب الحوار والمشاركة أمام نخبة غزة المهاجرة ومنظمات المجتمع المدني من أجل الإعداد للمرحلة المستقبلية لما بعد الحرب، وهي الورقة الكفيلة بقطع الطريق أمام مخطط عودة السلطة العسكرية الإسرائيلية. ومن هنا يأتي الخير للبلاد والعباد.
إقرأ أيضاً: في فلسطين.. الفن جسر لعبور الشدائد
لكننا لا نعرف حتى الآن النية الإسرائيلية الحقيقية لهذه الصفقة؛ فدائماً ما يراودني سؤال: هل نية إسرائيل في الانسحاب من غزة حقيقية؟ وفي حال انسحبت حماس، فهل تنسحب إسرائيل بشكل كامل هي الأخرى، وتترك الشعب الفلسطيني في حاله؟ وهل تنتهي الخطة الإسرائيلية لتدمير البيوت ومراكز الإيواء والمستشفيات وغيرها، ويعود الأهالي إلى العيش بدون حرب وتحت مظلة السلطة الفلسطينية؟ أم أنها مجرد أحلام، ويظل نتنياهو مستمراً في نهج الهروب إلى الأمام، وإلقاء الكرة في ملعب حماس، ويرحّل حسم وقف إطلاق النار في غزة إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية؟