لفت انتباهي تشخيص مُحق لواقع الحالة الأوروبية المرير اليوم بكل تجرد ووضوح إذ يرى الدكتور ماجد التركي، وهو من الذين يُعتد برأيهم في كثير من الأوساط ذات الفكر التحليلي السليم على المدى البعيد والذي يقف دائماً على مسافة متساوية من جميع الأطراف المختلفة في حالة التحليل الجيوسياسي إذ يقول: "اكتساء رداء الكبرياء والغطرسة الأوروبية ومواصلة الزحف في الوحل والتماهي الأميركي مع الموقف الروسي ستكون فرصة لإقصاء أوروبا مجتمعة وفرادى من المشهد العالمي وهذا ما تسعى إليه روسيا في ذات الوقت وقد تلتقي مصلحة واشنطن وموسكو في هذا الاتجاه". وأعتقد أن كثيراً من المحللين الاستراتيجيين يتفقون معه في هذا الطرح.
وإن كان لي رأي مغاير إذ أرى التالي:
هناك من سيقول إنَّ مثل هذه القراءة العميقة لن تغيب عن ثعالب السياسة الدولية وصناع المصائد والمكائد فيها، أي البريطانيين، الذين صنعوا الأحداث على مدى قرون ورسموا الكثير من الخرائط السياسية للعديد من الشعوب، وتركوا القنابل مدفونة تحت سطح العلاقات الدولية، وبين معاطف الأصدقاء والحلفاء إلى حين. تلك القراءة التحليلية للموقف الأميركي لا تتوافق مع الاندفاع البريطاني القوي نحو دعم أوكرانيا في هذا الوقت الذي ترى التراجع الأميركي والتقارب الظاهر على السطح في المواقف الروسية والأميركية من الحرب.
إقرأ أيضاً: انحدار الخطاب الدبلوماسي
وهؤلاء يرون أنَّ هناك قراءة أخرى حتى وإن كانت بعيدة لكنها محتملة وهي أنَّ أميركا تتظاهر بوقف دعمها لأوكرانيا وتتخذ خطوات جادة وتعلن موقفاً حقيقياً يسترضي الروس وتحقق بذلك مكاسبها السياسية في مواقع جغرافية أخرى وتحقق أيضاً مصالح اقتصادية أخرى في حين تدفع أوروبا نحو استنزاف أكبر لروسيا وهنا يقع الدب الروسي في شرك الغرب ويستجرونه للوحل بسرعة أكبر ويترك الحذر الذي يقوم به، معتقداً بوجود خلاف فعلي في الموقف الغربي، وانشقاق يعطيه القوة التي يريدها. لكن السؤال الذي أرى أهميته: هل روسيا في حالة ضعف أو استغباء لا تعلم بما يُحاك ضدها في الخفاء؟
أترك الجواب لمن لديه القدرة على الإجابة.