رَغم أنها لم تُضَحّي ولا بجُندي واحِد في سَبيل فلسطين، في حين ضَحّى العَرَب بمِئات الآلاف مِن شَبابهم في سَبيلها! ولم تَصرف ولا توماناً واحداً لإعمارها، في حين كان العَرَب (أوّلهم الخليج) يُعَمّرونها كلّما خَرّبَها غِلمان إيران ثم قَعَدوا على تلّها كما يَحدث اليوم! وكل ما فعلته هو شِعارات تسويق، ومُظاهرات استِعراض باسم يوم القدس آخر جُمعة من رَمضان، وفيلق باسم القدس يَقود ميليشيات مُرتزقة مِن الحثالات كحِزب الله وحَشد وحوثي وحَماس!؛ إلا أنَّ إيران دَأبَت على المُزايدة على الدول العربية بمَوضوع دَعم فلسطين ونُصرَة شَعِبها، وقِطعان عَريضة في مُجتمَعاتنا، هُم إما جُمهور مُغفل يُهَلل لها مُصَدِّق لأكاذيبها، أو مَطايا مُنساقة لها ومُستعدة للتضحية بأرواحِها وبأبنائِها في سَبيل مَشروعها التوَسّعي!
حَرب لبنان 2006 كما اليوم، بدأت بهَجَمات شَنّها حزب الله على إسرائيل بدَفع مِن إيران لمُلاعَبتها في لبنان، وجَرّها الى مُغامَرة دمّرَت البلاد وقتلت العِباد، ليَلعَب عُملائها دَور الضَحايا والأبطال. بعد انتهاء الحَرب أنفقَ العرب المِليارات لإعمار ما دَمّره حُمق حسن نصر الله في الجَنوب، في حين لم تَصرف إيران توماناً رَغم أنه ولاية إيرانية. فإيران تُخَطّّط للحَرب وتَدفَع القطيع للمَوت بأفيون "المَوت لنا عادة وكرامَتنا مِن الله الشَهادة"، وعلى العَرب إيقاف الَحَرب والمَوت ثم الإعمار!
وفي حَرب غَزة التي بدأت في مثل هذه الأيام مِن العام الماضي، تَكَرّر نفس الأمر، فإيران خطّطت للهجوم على إسرائيل، لتقلب طاولة المُفاوَضات التي كانت قد بَدَأت للتو بَين دول الخليج وعلى رَأسها السعودية وبَين إسرائيل، والتي كان مُتوَقعاً أن تؤدي الى تطبيع مَشروط بحَل الدولتين وقيام دولة فلسطينية بحدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، ما كان سَيَرفَع مِن أسهُم المَملكة والدول العربية، ويَسحَب البساط مِن تحت قَدَم إيران وملشياتها، ويفضَح زيف اسطوانة "سِنُصلي في القدس" ويَحرِق وَرَقة تحرير القدس التي تلوِّح بها لقِطعانها. لذا حَرّكت غِلمانها مِن قادة حَماس كالسِنوار لتنفيذ جريمة 7 تشرين الأول (أكتوبر) دون التفكير بتداعياته الكارثية على أهل غزة. فإيران تُحسِن اختيار غِلمانِها كما تفعَل مَع (الكلاش)، وتعرف مَتى ترتديهُم ومَتى تخلعهم وترميهم. ويَبدو أنها بَدَأت خَلعهم ورَميهم واحِداً تلو الآخَر، إما لاستبدالهم أو أنها تنوي أن تنفذ بجِلدها حافية القدَمين بَعد أن وَجَدَت أن نهايتها اقترَبت. لذا كان ما كان مَع إسماعيل هنية ونصر الله ويحيى السِنوار، وقد تخلع الحوثي والحَشد قريباً!
يَجب ألا نغفَل الحَرب الأهلية في العراق بعد 2003، ودور إيران القذِر بإشعالها لتمرير مَشروعها التوَسّعي الذي يَستند إلى الطائفية، عِبر عِصابات إرهاب مَدعومة مِنها ومُترَبّية بأحضانها ومُدَرّبة على يَديها، اجتاحت مُدُنه كالغِربان وحَوّلتها الى أرض بور تنعَق عليها وتسرُق خيراتها وتُرعِبُ أهلها. بَدءاً بالميليشيات الشيعية المُختلفة بمُسِمّياتها والمُتشابهة بعقيدتها الطائفية ومُرتزقتها الرُعاع، مُروراً بالقاعِدة، التي يَستضيف الحرس الثوري قيادتها مَع عَوائلهم، وكان ضُبّاطه يوصِلون الأموال إليها أيام احتلالها للفلوجة، بعد أن يَمُرّوا بالنجف وكربلاء لزيارة أضرِحة أهل البَيت وذرف دموع التماسيح على شبابيكها؛ أو تنظيم الزرقاوي الذي تدَرّب بمُعسكرات الحَرس الثوري قبل دُخوله العراق، وهناك صوَر سَتلايت تُوَثّق بأنه كان يَفر إلى إيران حين كانت قوات التحالف تلاحِقه؛ وصولاً إلى داعِش التي كانت حَجَراً ضَرَبت به أكثر مِن عَصفور، الأول تدمير الغربية وقتل وتشريد أهلها، الثاني تشكيل الحَشد بحُجّة مواجَهته، بالنهاية طار داعش وحَطّ الحَشد وبات ليسَ فقط أمراً واقِعاً لا بَل تاج رأس وحامي أعراض! وبَعد انتهاء الفيلم، إعادة الإعمار كان على عاتق الخليج وبقية العرب.
أَتباع إيران مِن طينة ضَحلة لا مَثيل لها، ولولا المَلامة، لوَصَفتهم في عنوان المَقال بالمَطايا، وليس المُرتزقة. فالمُرتزق يتبع وينفذ أجندات مَن يَدفع له المال، أما هؤلاء فيُؤمنون أن عَمالتهم لإيران وسَرقة خَيرات أوطانهم وضَخِّها في خزائنها، تُقرّبُهم إلى الله، لأنها بنَظَر شيعتهم حامِية للتَشَيّع، وبنَظَر سُنّتهم نَصيرة للإسلام، وبنَظَر يَساريّيهم وقوميّيهم عَدّوة ومُناوِئة للإمبريالية. أحياناً تَصِل بهم الدونية إلى حَد رَفَض ما يُقدّمه العَرَب، وتَمَنّي أن تقوم بذلك إيران، التي لا ولن تفعَل، لأنها تسعى لامتصاص دَمِهِم قبل مالِهِم. فحين أرادَت السعودية إهداء العراق مدينة رياضية، رَفض رُعاع إيران وتعالى نهيقهم في الإعلام. وقد لَخّص أحدهُم السَبَب في فضائية عراقية مُمَوّلة سعودياً بقوله: "السعودية اللعينة سَتدخل بأموالها كمِسمار جحا، وإذا بَنَت في العراق كما في سوريا أيام الأسد، أو لبنان أيام (رئىيس الحكومة الأسبق رفيق) الحريري، أخاف شيعة العراق تتغيّر نظرَتهم، ويُعاتبون الأخوة في إيران أنهم لم يَبنوا بل السعوديون". وحين سَأله المُحاوِر: ماذا في ذلك؟ أجابه: "اللي بيَّ ما يخليني أنا شيعي، وتمَنّيت لو فعَلتها إيران". هكذا يُرَسِّخ وأمثاله تبَعية التشَيّع لإيران، رَغم أنه عِراقي، مَرجعِيّته النجَف وليسَت قُم!
إقرأ أيضاً: محوَر الشَر وسياسة "ضَرَبني وبَكى وسَبَقني واشتكى"
بَعد عُقود من حُكم شقاوات الانقلابات في بَعض الدول العربية، والذين كانوا يُحبون الاستعراض لتعويض عُقد نقصِهم، ترَسّخت ثقافة الجَعجَعة التي أوصَلتهم وبلدانهم إلى الحَضيض. أما حُكام الدول العربية المُستقرة، وهي دول الخليج، الذين ارتقوا ببلدانهم وصانوا خَيراتها وأرواح أبنائها، فهُم رجال دولة يَعمَلون بصَمت. صَدام حسين مثلاً كان يُساعِد الفلسطينيين، لكن بأموال كانت تذهب للفصائل المُسلحة، وليس لإعمار البُنى التحتيّة للمدنيين، مَع تسويق إعلامي يُضَخ عليه أضعاف تلك المُساعدات. وحين دعَم أحَد أطراف الصِراع في لبنان، اختار طَرَفاً وصولياً مثل رئيس الجمهورية السابق ميشال عَون. وفَعَل حافظ الأسد نفس الشَيء، نَسِخاً ولَصِقاً، لكن بأسماء وأماكن مختلفة، لأنهما يَحمِلان نفس عُقد النقص وَوَصلا إلى السُلطة عن طريق الانقلاب. إيران بدَهائها استغلت الانهيار القِيَمي والمادي وثقافة الوَعي القطيعي التي ترَسّخت في دولهم، وقرّرَت أن تستثمِر فيه طائفياً لتربَح منه قومياً لصالح مَشروعها التوَسّعي، فشَكّلت فيها ميليشيات مرتزقة تدين لها بالولاء، لتحل مَحل الدولة كحزب الله وجند الله والحشد، تعتمد الجَعجَعة، مَوّلتها عسكرياً، ووَلّت عليها أّذنابها كنصر الله والحوثي والعامري، وضَعَت لها اسماً رناناً هو "محور المقاومة" وشِعاراً وَنّاناً هو "سَنُحَرّر الأقصى" لِتُدغدغ به مَشاعِر الوَعي القطيعي في الدول الإسلامية، ونجَحَت، فقِطعان ميليشياتها بين شُعوب هذه الدول باتوا بالملايين. أما دول الخليج والأردن ومصر، فقد كان تعامُل قياداتها مع قضية فلسطين والوَضع اللبناني واليَمني والعراقي كرِجال دولة. فهُم يَدعَمون حَرَكة فتح كمُمَثل شَرعي للشَعب الفلسطيني، وبَعد الحَرب الأهلية في لبنان دَعَموا شَخصاً جامِعاً للبنانيين هو رفيق الحريري. أما بناء لبنان وفلسطين بعد مُغامَرات ميليشيات إيران فهو دائِماً على عاتِق الخلايجة، وأوّلهم الكويتيين الذين حين غزا واستباح صَدام بلدَهُم، جازاهُم الكثير مِن اللبنانيين والفلسطينيين، حَتى مِمّن يَعملون في بلدانهم، بتأييده! ناهيك عَن أولئك الذين فَتَحَت لهُم دول الخليج أحضانها، وشَغّلتهم في بلدانها، وأعطتهم رَواتب فلكية، وكانوا ولا زالوا يُحَوّلونها إلى بُلدانهم كـ"قرض حَسن!" لدَعم مليشيات إيران فيها!
إقرأ أيضاً: طَريق تحرير فلسطين الذي يُمُر بغَيرها ولا يؤدي إليها!
حين يُقدِم مُرتزقة إيران على مُغامَراتِهم العَبثية التي تدفعَهم إليها خِدمة لمَصالحها، التي عادة ما يَنطبق عليها مَثَل "تمَخّض الجَبَل فوَلد فأراً"، لأنها غالباً ما تنتهي على "فاشوش" في إسرائيل، بمُقابل مِئات آلاف الضَحايا في فلسطين ولبنان بين قتيل وجَريح ومُشرّد وتدمير لِبُنى تحتية يَحتاج إعمارها مِئات المَلايين وعَشَرات السنين، كما حَصَل في حرب 2006 ويَحصل اليوم، لا يَستشيرون الدول العربية التي عادة ما تتفاجَأ بحَماقاتهم. لكن بعد أن يَنقَشِع غبار الحَماقة عَن جُثث وأطلال مُدُن وعَوائل مُشّرّدة، يُطالبونها بتعويض الأضرار وإعمار ما خلّفته مِن دَمار بوقاحة، كما عُبّر عن ذلك أحَد أبواقهم، وزعيم تيار لبناني ذيلي لإيران، حين سُئِل بإحدى الفضائيات عَمَّن سَيبني لبنان بَعد حَماقة حِزب الله؟ أجاب "غَصباً عَنهم العَرَب سيدفعون، ورِجلهم على رِقابهم. بَدهُم يدفعوا بالقوة وإلا تُخَرّب بلدانهم". وحين سُئِل أهذا تهديد؟ كَرّر: "غَصباً عنهُم، ليس برَغبَتهم، بل ورِجلهم على رَقبتهم"! وإمعاناً في الوقاحة يَشترطون أن يَمُر الدَعم عِبرَهُم ليتمَكّنوا مِن سَرقته، فيَذهب بَعضه لإيران، والباقي لشِراء السِلاح وغَسل العقول وأموال المُخدّرات، ولِشِراء الذِمم لتجنيد المَزيد مِن المُرتزقة، وأخيراً حَفر أنفاق الفِئران. دول الخليج، كعادتها دائِماً، لا تتأخر عَن تقديم المُساعدة بنِيّة صافية وبالملايين لا حَمداَ ولا شَكورا، فالشُكر يَذهَب دَوماً إلى إيران! حَتى الغرب الذي يُنفِق المَلايين لبناء غزة ولبنان بَعد كل حَرب، وَجَد نفسه أحياناً مُضطَراً للتعامُل مَع حَماس باعتبارها السُلطة الرَسمية للقطاع، وكذلك حزب الله في لبنان. لكن ليس كل مَرة تِسلم الجَرّة، فبَعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، يَبدو أنَّ التعامُل سَيَتغيّر، لِتتَعَلم هذه الميليشيات أنَّ دُخول حَمّام عَنتريات "المُئاومة" مُش زي خروجه، وأن عَليها تَحَمُّل تبِعات ما تتَخِذه مِن قرارات، وما تَرتكِبه مِن حَماقات، وأن تطلب المُساعَدة مِمّن دَفَعَها لفِعل هذه الحَماقة.
إقرأ أيضاً: إيران واستراتيجية البدائل لاستعمار الدول العربية!
بالمُحَصّلة، دَور دُول الخليج والأردن ومصر تجاه أشقائها في الدول التي يَستبيحها محور ميليشيات إيران، هو دَور بَنّاء في السِلم قبل الحَرب. فهذه الدول لا تأتي لتُعَمِّر دُول أشقائها فقط بَعد أن تهدِمها عَنتريّات مَطايا إيران، بل نَجِدها حاضِرة فيها دوماً بوقت السِلم من خلال الإستثمارات المليونية لشَركاتها. أما دور إيران فهَدّام بوقت السِلم قبل الحَرب. إذ تستغل وقت السِلم لنَخر هذه الدول مِن خلال تشجيع فِكر إسلاموي ظلامي، كما فعلت في فلسطين وتفعل في مَصر ودول المَغرب، أو الفكر الطائفي الخبيث، كما فعلت في لبنان والعراق واليمن. أما في أوقات الحَرب، فقد بات بَديهياً أن إيران تستغل أراضي هذه الدول كساحة حَرب، ومواطنيها كقرابين لِحُروبها مع أعدائها، بَدَل انتقالها لأراضيها، والتضحية بجُنودها ومُواطنيها. وإذا رأينا ماذا أهدَت السعودية للبنان، وأعني رفيق الحريري، وماذا فَعل لها ولشَعبها مِن خَير وعُمران وازدِهار! وبماذا ابتَلت إيران لبنان، وأعني نصر الله، وماذا جَرّت حَماقاته عليها مِن شَر ودَم وخراب! وإذا رأينا مَن دَعمت دول الخليج ومَصر والأردن في العراق، وأعني هنا د. أياد علاوي العلماني ذو المَشروع الوطني الليبرالي، الذي انتخَبَته كل مكونات الشَعب العراقي، دون التوَقّف عِند خلفيته الإجتماعية الشيعية! ومَن دَعَمَت وشَكّلت إيران في العراق، وأعني هنا الطائفي نوري المالكي وحُثالات الحَشد والقاعدة وداعش؛ يُمكننا أن نتبيّن الفَرق بَين سياسة العرب البَناءة تجاه أشِقائهم المُستغفَلين مِن قبل إيران في العراق واليمن وفلسطين ولبنان، رَغم المَواقف الناقِصة لميليشياتهم ومَن يتبعها في هذه الشعوب تجاهَها، وبَين سياسة إيران الهَدّامة تجاهَ هذه الدول. وهو أمر بات لا يَقبل التأويل أو عَدم الفِهم، إلا من قِبل مَأزوم أو أحمَق.