: آخر تحديث

البابا.. وصاحب الكرسي الأحمر

3
3
2

ورد في مقال نشره الطبيب والزميل خالد منتصر قبل يومين بأن بابا الكنيسة الكاثوليكية يعاني من أزمة صحية خطيرة. وتساءل عن سبب كل هذا الاهتمام العالمي بحالته الصحية، وأضاف أن سبب ذلك يعود لما تميز به البابا فرنسيس من مواقف مستنيرة، حيث سعى لتقريب الكنيسة لقضايا العصر، مثل دعمه لقضايا المهاجرين واللاجئين؛ وضرورة حماية حقوقهم، محذرا من انتشار الكراهية والعنصرية تجاههم. كما كانت له إصلاحاته المهمة داخل الكنيسة؛ حيث كافح الفساد المالي وعزز الشفافية، وعيّن، لأول مرة، نساء في مناصب عليا داخل الكنيسة. وكان مهتما بالبيئة؛ وانتقد الاستهلاك الرأسمالي المفرط والجشع، سعى للحوار بين الأديان، وعزّز العلاقات مع المسلمين واليهود، ووقّع مع شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وثيقة الأخوَّة الإنسانية في أبوظبي عام 2019، التي تدعو إلى التعايش السلمي والتسامح الديني، ودعا الكنيسة للتركيز على الرحمة بدلا من العقاب؛ والتوسع في الغفران بدلا من التشديد في العقوبات، حتى في قضايا مثل الطلاق والإجهاض. كما انتقد الرأسمالية الجشعة؛ ووجّه انتقادات حادة للنظام الاقتصادي العالمي، واعتبر أن الرأسمالية غير المنضبطة تزيد من الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ونادى بتبسيط حياة رجال الدين؛ ودعا القساوسة والأساقفة إلى تبنّي نمط حياة متواضع، ورفض مظاهر البذخ داخل الفاتيكان.

وروى الزميل منتصر قصة وقعت في أبريل 2018، خلال زيارة البابا لرعيته في سان باولو، إيطاليا، حيث تقدم الطفل إيمانويل، 10 سنوات، ووجه، بعيون دامعة، سؤالا للبابا إن كان والده الملحد، الذي عمّدهم جميعا كمسيحيين، سيتبوأ مكانه في السماء (أي الجنة)؟ رد البابا، بتعاطف رائع، بأن الله لديه قلب أب وأن تصرفات والده الطيبة، مثل تعميده واخواته، تشير إلى صلاحه. فكيف سيترك الله شخصًا صالحًا، أحسن تربية ابنائه، بعيدًا عنه.

حظيت تلك الحادثة حينها باهتمام إعلامي، وبينت شخصية البابا العظيمة، وعكست نهجه في التعامل بطريقة إنسانية مع مختلف القضايا. وهذا ما نحن في أمس الحاجة له في مجتمعاتنا، التي أصبح فيها الغلو والتشدد هما الغالبان، فلا نسمع من رجال الدين، ومن صاحب الكرسي الأحمر بالذات، وأمثاله، غير التقريع والترهيب والتحذير، وقائمة طويلة من النواهي والمحاذير والمخاطر التي سيؤدي اقترافها او عدم القيام بها لأن «يتبوأ أصحابها أماكنهم في النار»!!

طبعا «الشرهة» ليست عليه وعلى أمثاله من الباحثين عن الشهرة والمال والنفوذ، المدركين جيدا بأن لا شيء يجلب الجمهور لهم والمال معهم، مثل التشدد ونشر كراهية الآخر، والعزف على وتر الطائفية، وبث الرعب في القلوب عن عذاب جهنم، بل الشرهة على وسائل الإعلام التي فتحت أبوابها لهم، وعلى وزارة الأوقاف التي أتاحت لهم نشر فكرهم المتشدد، وسمحت لهم بالإفتاء، ونتمنى عليها، في هذا الشهر المميز، أن تكون وزارة للشؤون الدينية، وليست لفئة محددة.

إننا بالفعل أحوج ما نكون للاقتداء بما يقوم به «أشقاؤنا» في السعودية، من إصلاحات دينية، فقد سئمنا بالفعل من كل هذا الغلو، وأصبحت أفئدتنا تحن للكلمة الرحيمة، وللفكر المتسامح!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.