لا وجود للقانون الدولي ولا الشرعية الدولية ولا حتى مواثيق هيئة الأمم المتحدة على طاولة الرئيس الأمريكي ترامب، فكل هذه تعرقل مسار سياساته الدولية مثلما يقف عمدة القرية في أفلام «الكاو بوي» أمام قطاع الطرق وبما يعيق مغامراتهم في السلب والنهب والقتل والتهام الأراضي والممتلكات، لكن بطبيعة الحال لا يجوز مثل هذا التفسير السطحي الساذج في الحديث عن السياسة الدولية وقراءة مفاصل الأحداث الدولية، وقد يعد هراء وسماجة وحتى عبثاً ورداءة في أسلوب الكتابة الجادة.
الحقيقة أن أسلوب أطروحات الرئيس ترامب حول مواقفه وسياساته حيال الأحداث الدولية يبدو كما لو أنه – يمزح - أو أنه يفتقر للجدية بدليل انتقاله في المواقف من الضد للضد وربما في جلسة واحدة، على سبيل المثال كان قد اجتمع وزير خارجيته بوزير خارجية روسيا في الرياض تمهيداً لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية لكنه عاد بعد وقت قصير ليعلن أنه في حال قدمت له أوكرانيا الحق الحصري في امتلاك الثروات المعدنية فيمكن دعمها بأكثر من 350 مليار دولار وتزويدها بالسلاح، هكذا وببساطة، وما يعطي القصة ملمح الطرافة أن روسيا كانت قد عرضت عليه من قبل الحق الحصري في معادن الأراضي الأوكرانية الخاضعة بالحرب للاحتلال الروسي، قصة مختصرها «تدفع لي كم واشهد لك»، وبالمناسبة الرئيس دونالد ترامب هو رئيس أقوى دولة في العالم، تخيّل!
وبمناسبة شهر رمضان الكريم - جعلنا الله وإياكم من صيّامه وقيّامه - كان رئيس تحرير هذه الجريدة قد كتب مقالاً منذ أسابيع بعنوان «ترامب جاب العيد»، والحق أني لم أجد في ثنايا المقال أن ترامب أرّخ عيد الكريسمس ظهر يوم الخامس من شهر رمضان ولا نقل عيد الأضحى لشهر رجب أو أجل عيد الفطر لتاريخ عيد الفصح في الكيان المحتل، لكن ظهر أن ترامب يرغب في تهجير فلسطينيي غزّة إلى دول عربية أخرى ليبني أبراجاً وفنادق ومنتجعات سياحية على شواطئ غزّة، ومنطق رؤيته هذه تعود للأثر التجاري والاقتصادي العظيم الذي سوّغ له هذه الرؤية الخلّاقة، وحتى أنه أكد أن الفلسطينيين المهجرين سينامون الليل من دون ضربات جوية، تخيّل!
فصاحة ترامب البلاغية جعلته يرى أن تسمية خليج أمريكا بدلاً عن المكسيك ستزيد عمر الإنسان في أدغال إفريقيا ثلاثة أيام، وقد أحضر المصورين ليشهدوا توقيعه الإنساني هذا في البيت الأبيض، وغرائب ترامب لا تنتهي فهو يريد نزع كندا من التاج الملكي البريطاني وضمها كولاية جديدة تزيد مساحتها على مساحة جميع ولاياته الخمسين، في صورة تشابه ذاك الثعبان في أدغال الأمازون حين ابتلع فيلاً كوجبة إفطار اتباعاً لنصائح الأطباء الذين يرون أن وجبة الفطور تعتبر من أهم الوجبات، والأمر في المنطق نفسه حين تكون كندا تحت الحماية الأمريكية فالأجدى ضمها لتدر لبنها على باقي الولايات وخصوصاً فقيرة الموارد، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد المستنطق من ثرثرة أضواء النجوم في صيف الربع الخالي، بل إنه أرسل ابنه لجزيرة «غريلاند» لشرائها بسبعين دولاراً «كاش»، تخيّل!
والمثل بالمثل فإن نتنياهو الذي وقف بجنب ترامب مدهوشاً بسعة خياله التوسعي الذي فاق صهيونية عقل نتنياهو نفسه؛ بما جعله يأمر جيشه بالتمدد في سوريا ليعيد رسم خارطة الشرق الأوسط بإسرائيل الكبرى، وكأننا في مسلسل «اللص الظريف»، وقصة هذا المسلسل تحكي عن قاضٍ نزيه لا يسرق إلا قوت الفقراء في الخزينة المالية العامة - لسعة ذمّته أو بطنه - وما تسنى له ذلك لولا انشغال مراكز الشرط بالبحث في أتون الكتب عن حيلة تعفيهم عن مسّ العدالة المبجلة، وقد نجحوا أخيرا في الوصول لقصة مثيرة ألهتهم عن شأنهم، تقول القصة: وضع مجموعة من العلماء خمسة قرود في قفص واحد، وفي وسط القفص يوجد سلم وفي أعلى السلم هناك بعض الموز, وفي كل مرة يصعد أحد القرود لأخذ الموز يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد، بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يصعد لأخذ الموز يقوم الباقون بمنعه وضربه حتى لا يتم رشهم بالماء البارد، بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات وذلك خوفاً من الضرب.
بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة ويضعوا مكانه قرداً جديداً, فكان أول ما قام به أنه صعد السلم ليأخذ الموز، ولكن فور ذلك ضربته الأربعة الباقون وأجبروه على النزول، بعد عدة مرات من الضرب فهم القرد الجديد بأن عليه ألا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب، قام العلماء بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد آخر، وحل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملاءه بالضرب وهو لا يدري لماذا يضرب، وهكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة، حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم الماء البارد أبداً، ومع ذلك استمروا يضربون أي قرد تسوِّل له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب.