كما درجت العادة كل أربع سنوات، ستسرق الانتخابات الرئاسية الأميركية اهتمام العالم الذي سينتظر على أحرّ من الجمر لمعرفة من سيحكم البيت الأبيض ويقود الولايات المتحدة لأربع سنوات قادمة.
الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها بعد حوالى أسبوع ستحظى باهتمام استثنائي في المنطقة العربية، لا سيما لبنان الذي يشهد حرباً شاملة بين إسرائيل وحزب الله بدأت في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023 بشكل محدود، ثم تصاعدت لتدخل مرحلة الحرب الشاملة منذ أيلول (سبتمبر) الفائت.
المرشحان، الجمهوري دونالد ترامب ونائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، تحدثا كثيراً عن الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط، وكلاهما أعلنا عزمهما على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب دون تقديم خارطة طريق توضح كيفية معالجة الصراع.
التصريحات الملتزمة بوقف الحرب جعلت الطرف المعني بصورة رئيسية، أي اللبنانيين، يعتقدون أن يوم السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)، أي بعد يوم من الانتخابات الأميركية، سيشهد خروج الرئيس الأميركي المنتخب، سواء أكان هاريس أو ترامب، ليطالب طرفي الصراع بشكل حازم بالتوقف عن تبادل إطلاق النار والركون إلى الوسطاء الدوليين لتثبيت الهدنة.
لكن أوضاع واشنطن في الأيام اللاحقة للانتخابات لن تتلاقى مع الفرضيات والتمنيات اللبنانية، أقله في الأسابيع التي تلي الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، فالعاصمة الأميركية ستكون أولاً منشغلة بتحديد هوية الرئيس السابع والأربعين، حيث إن لكل من مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي نظرته وسياسته إزاء ما يشهده الشرق الأوسط. وكأنّ شهرة واشنطن في مطاعم الوجبات السريعة لا يمكن إسقاطها على الواقع السياسي، بحيث لا يمكنها تقديم اتفاقيات سريعة.
في حال لم ينجح آموس هوكستاين في إحداث خرق في الجبهة الإسرائيلية اللبنانية هذا الأسبوع من خلال زيارته أولاً إلى تل أبيب، فإن التعويل على نتائج الانتخابات لفرض حل سريع سيكون سراباً، أيّاً يكن ساكن البيت الأبيض الجديد.
في واشنطن، تعتقد الإدارة الحالية والتي تُعدّ المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس جزءاً منها، أنها قامت بدورها على أكمل وجه لحماية لبنان من جموح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ولكن المسؤولين اللبنانيين صمّوا آذانهم عن كلام إدارة بايدن ومبعوثها آموس هوكستاين لأكثر من 11 شهراً حتى وقعت الواقعة.
وبحسب ما حُكي ونُشر، فإن الولايات المتحدة نجحت، وبعد أيام قليلة من إطلاق حزب الله معركة إسناد حماس في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر)، في إقناع بنيامين نتانياهو بالعدول عن فكرة شن حرب شاملة على لبنان، مقابل ضمان عدم اجتياح المناطق الشمالية من قبل حزب الله كما حدث في مستوطنات غلاف غزة، وتجلى هذا الأمر في حاملات السفن التي أرسلتها واشنطن للبحر المتوسط، لتوصيل رسالة لإسرائيل مفادها أن الوجود الأميركي يشكل ضمانة لأمن تل أبيب.
طوال الأشهر الماضية، حاول المبعوث الأميركي إقناع الحكومة اللبنانية بإنهاء حرب الإسناد وسحب حزب الله إلى شمال الليطاني وفق القرار الأممي 1701، لكن التمنّع كان سيد الموقف، حتى أن تصريحات نُقلت عن لسان مسؤولين لبنانيين كبار تشير بشكل تهكمي إلى أن نقل الليطاني إلى الحدود أسهل من إقناع مقاتلي الحزب بالانتقال إلى شمال النهر.
ومع انطلاق الحرب بشكل شامل بعد تفجير البيجر، أصبح المسؤولون اللبنانيون يلحّون على تطبيق ما كانت الولايات المتحدة قد طالبتهم به في فترات سابقة، لكن الطرف الإسرائيلي رفع من مطالبه بشكل تصاعدي، توازياً مع ما يعتقد أنه إنجازات تراكمية تمكن من تحقيقها. وهذا يعني أنه في حال فازت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، سيجري تمديد مهمة مبعوث الرئيس جو بايدن، آموس هوكستاين، وبالتالي سيبقى حاملاً للطلبات الإسرائيلية ذاتها، إلّا إذا راودت حكومة نتانياهو قناعة مفادها أنه لا يمكن تحقيق أكثر مما تحقق من استهداف للحزب وقيادته، وأن القرار 1701 يشكل هزيمة لحزب الله، إذ يخرج عسكرياً من البلدات التي تُعدّ معقله وخزانه الشعبي. سيؤدي هذا إلى مطالبات لبنانية داخلية بضرورة التوصل لحل بخصوص ترسانته العسكرية على قاعدة انتفاء الحاجة إليها بعد خروجها من المواجهة المباشرة مع إسرائيل.
لكن ماذا لو فاز ترامب في الانتخابات؟
المرشح الجمهوري صوّب أكثر من مرة على الإدارة الحالية متهماً إياها بالتسبب بالحروب الدائرة من روسيا وأوكرانيا إلى الشرق الأوسط، ومؤكداً أنه سيعمل على وقف هذه الحروب، ولكن دونالد ترامب نفسه دعا أكثر من مرة الإدارة بالسماح لبنيامين نتانياهو بإكمال مهمته. وهذه المهمة بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلنها بشكل واضح، وهي تدمير حماس وحزب الله وتغيير الأوضاع في المنطقة.
وقبل الوصول إلى السيناريوهات المذكورة أعلاه، فإن الرئيس الأميركي الجديد سيكون منشغلاً أولاً وبشكل أساسي بعملية الانتقال السياسي، وتشكيل فريق عمله واختيار الوزراء والموظفين.
وهناك أيضاً موضة رئاسية جديدة تُضاف إلى الانتقال السياسي، بدأت تشغل الداخل الأميركي تحديداً مع وصول ترامب للرئاسة عام 2016، وهي المعارك السياسية الباكرة حتى قبل أداء قسم اليمين. فإذا كان الرئيس الفائز هو ترامب، فقد يكون على موعد مع معركة سياسية يخوضها منافسوه ضده تماماً كما حدث في فترته الرئاسية الأولى، أما في حال فازت كامالا هاريس، فالتشكيك في النتائج سيكون العنوان الأبرز لمعركة ترامب، خصوصاً وأن الاستطلاعات الأخيرة تعطيه أفضلية واضحة. ووسط كل هذه السيناريوهات يبقى الملف اللبناني متعلقاً بما يشهده الميدان.