الأمن الفكري في البحث والاستطلاع هو مصطلح حديث، ويعني تحقيق الطمأنينة على سلامة الفكر والاعتقاد، والتفاعل الرشيد مع الثقافات الأخرى، ومعالجة مظاهر الانحراف الفكري في النفس والمجتمع. وفي الاستطلاع ودراسات عن أهمية الأمن الفكري، يعتبر الفكر البشري ركيزة هامة وأساسية في حياة الشعوب على مر العصور ومقياساً لتقدم الأمم وحضارتها. تحتل قضية الأمن الفكري مكانة مهمة وعظيمة في أولويات المجتمع، حيث تتكاتف وتتآزر جهود أجهزته الحكومية والمجتمعية لتحقيق مفهوم الأمن الفكري، تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة. بذلك، تكون الحاجة إلى تحقيق الأمن الفكري حاجة ماسة لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.
فالأمن الفكري يأتي في الدرجة الأولى من حيث الأهمية والخطورة، إذ إن تصرفات الناس تنطلق من قناعاتهم التي تستند إلى أرصدتهم الفكرية والاعتقادية. وبهذا، يكون منطلق كل عمل يمارسه الإنسان ويظهر في سلوكه من خير أو شر مركوزاً في كيانه الفكري والاعتقادي ومستقراً في أعماق النفس. يمكن القول إن الأمن الفكري لكل مجتمع يهدف إلى الحفاظ على هويته، إذ في حياة كل مجتمع ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها وتعد الرابط الذي يربط بين أفراده، وتحدد سلوك أفراده وتكيف ردود أفعالهم تجاه الأحداث وتجعل للمجتمع استقلاله وتميزه وتضمن بقاءه بين الأمم الأخرى.
كما يهدف الأمن الفكري إلى حماية العقول من الغزو الفكري، والانحراف الثقافي، والتطرف الديني. بل إن الأمن الفكري يتعدى ذلك ليصبح من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الوطني. تم إطلاق برامج ومبادرات سعودية من خلال مراكز عدة، ومنها "اعتدال" ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وهي جهود كبيرة لكبح براثن التطرف وخطاب الكراهية والأفكار المأدلجة التي يتم بثها من بعض الإعلام المضلل أو حسابات مشبوهة أو أبواق مأجورة تسعى إلى شق ترابط المجتمعات ورسالة الإسلام السامية.
الاستشعار بخطر التأثير على العقول يتطلب أن نكون حذرين من أن البعض قد يكون تابعاً لأفكار مضللة، سواء بعلم أو دون علم، من خلال أساليب عدة، منها اللعب على وتر تقسيم المجتمع الواحد، والفئوية، وإيجاد الفرقة والاختلاف، والتقليل من إنجازات الأوطان، واستخدام الدين كوسيلة للانتفاع الشخصي والحزبي، وذريعة لتمرير الأفكار المسمومة التي جلبت الخراب والدمار إلى عدة دول. الوطن يسمو على المصالح الشخصية، ورايات الهدم والمال. والخطر الأكبر هو أن يكون العقل مؤدلجاً على المال فقط، وليس على القيم والمبادئ ومحبة الوطن، حيث يفقد الإنسان الكرامة والعزة عندما يغفل عن أهمية الوطن.
في الختام، ما ندركه أن الحصانة الفكرية والعقلية من خلال برامج ومبادرات تحتم على الجميع أن يتحملوا مسؤوليتهم في نبذ كل فكر مسموم يأتي عبر أثير واسع يملأ الفضاء الإلكتروني.