تبتهج البشرية باستقبال العام الجديد، وتقام الاحتفالات في كل بقاع الأرض، أملاً وتفاؤلاً بغد أجمل وعالم أكثر أمناً وطمأنينة، وأقل قسوة على الناس، ويتم وداع العام الراحل دون تحميله أية مسؤولية عما وقع خلال أيامه من فواجع، فالبشر يدركون أنه مجرد وعاء زمني لما يحدث، وأنهم هم المسؤولون عن كثير من تلك المآسي التي تصيب أبناء جنسهم في إطار صراعات باتت أكثر خطورةً مع وفرة وتنوع ما أنتجته البشرية من قوى تدميرية غير مسبوقة تاريخياً، ومن تسابقهم إلى الحروب الكبرى التي يكون ضحاياها بسطاء الناس، لكن العصبيات القاتلة، والظلم الذي هو من شيم النفوس وعشق التسلط واعتبار الحق للقوة.. كل ذلك يعمي بعض أصحاب القرار عن رؤية العدالة، ويطمس قوة الحق.
وهناك من الأحداث ما هو فوق طاقة البشر، وبعضه من سنن الكون التي يجتهد العلم لمعرفتها وتوقع آثارها، ويسعى إلى التخفيف من نتائجها وأضرارها الكارثية. ويمكن تسمية عامنا الراحل «عام الكوارث الكبرى»؛ فقد ضربت الزلازل تركيا وسوريا في فبراير من هذا العام، وخسر الأتراك والسوريون أكثر من ثلاثة وخمسين ألفاً من أهلهم وأقربائهم ومواطنيهم الذين قضوا تحت الأنقاض، فضلاً عن عشرات آلاف المصابين. كما شهد المغرب زلزالاً في سبتمبر يعد الأقوى على مدى مائة عام، ولم تنج سواحل ليبيا من إعصار دانيال الذي ضربها في الشهر ذاته، وكانت الخسائر مريعة. أما الحدث الراهن الأكبر فهو ما يجري في غزة التي تتطلع إليها عيون العالم بتعاطف إنساني واسع وشعور عميق بالأسى لمأساتها. وقد تنادى شرفاء العالَم لإغاثة أهل غزة، وكانت دولة الإمارات سبّاقة كعادتها في مواجهة المحن، إذ أطلقت حملة «تراحم من أجل غزة» وأقامت جسراً جوياً لإغاثة أهلنا الفلسطينيين، وأقامت المستشفيات الميدانية، واستضافت مئات المرضى ونقلتهم من غزة إلى مستشفياتها. وكانت بعثتها في الأمم المتحدة قد أدت دوراً ريادياً مشرفاً بحكم عضويتها في مجلس الأمن، مؤكدةً اهتمامها بالقضية الفلسطينية، ومعبِّرةً باسم العرب جميعاً عن موقف موحد ورؤية واحدة.
وفي عام 2023 حققت دولة الإمارات إنجازات علمية وخدمية وتقنية ذات خصوصية مثل مشاركاتها القوية في علوم الفضاء، وسعيها المتواصل إلى تطوير الطاقة البديلة، وكانت استضافتها مؤتمر «كوب 28» حدثاً تاريخياً يعكس ما حققته من ريادة على صعيد عالمي في السعي إلى عالم نظيف وخال من التلوث.
ولابد من الإشادة برؤية حكومة دولة الإمارات في بعدها الاستراتيجي الواضح والمعلن متمثلاً في «مئوية الإمارات 2071»، وغيرها من الرؤى والخطط الاستراتيجية.
ومع العام الجديد ستمتد قضايا العام الراحل ذاتها، لكننا نأمل أن تكبر الإرادة على مجابهتها، وأن تستفيد الأمة من تجاربها، ولعل أهم أمل يلتقي عنده العرب جميعاً هو أن تتحد كلمتهم في المحافل الدولية، وأن يجسدوا التكامل والتكافل، وأن يجعلوا مصالح الأمة في الأولويات، ومحال أن تتعارض مصالح الأمة مع المصالح الوطنية المحلية، وكل عام وأمتنا بخير.