بعد الذي حدث في عام 2024، لا سيما في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) منه، حيث سقوط نظام بشار الأسد المدوي، يمر النظام الإيراني بمرحلة يمكن وصفها بالفريدة من نوعها على مر الـ 46 عامًا المنصرمة، إذ ولأول مرة، يجد النظام نفسه في موقف ليس حرجًا فقط، بل حساس جدًا، وليس بإمكان خامنئي ذاته الاستهانة به. وحتى إن صدور تصريحات ومواقف تؤكد على قوة النظام واستمراريته كما كان، هي في الواقع ليست سوى مجرد بالونات، بل وحتى فقاعات لم تعد تنطلي على أحد، إذ إن الأنظار مركزة على الواقع وليس على الخيال والوهم.
النظام الإيراني الذي يواجه عقوبات دولية تتصاعد وتيرتها، ولا يوجد في الأفق ما يوحي أو يشير إلى نهاية لها، ولا سيما أن العقوبات ستتفاقم أكثر بعد سياسة الضغط الأقصى لترامب، فإنه كنتيجة وانعكاس لذلك سوف يواجه أوضاعًا اقتصادية بالغة السوء. بل إن العديد من الخبراء الاقتصاديين يعتقدون بأن الأمور إذا استمرت لفترة أخرى على هذا المنوال، فإن اقتصاد النظام المثقل بأزمات حادة سوف يشهد الانهيار. كما أن النظام، وبسبب هذه العقوبات، يواجه أيضًا عزلة دولية متزايدة، ولم يعد يمكنه أن يجد منافذ بديلة تمكنه من إيجاد متنفس له.
إقرأ أيضاً: لا للمساومة الدولية مع النظام الإيراني!
أما الأوضاع الداخلية، فإن هناك سياقين مهمين لا بد من الإشارة إليهما:
الأول: تزايد مشاعر الغضب والرفض والكراهية ضد النظام، وتزايد الاحتجاجات الشعبية والعمليات النوعية التي تقوم بها وحدات الانتفاضة، وبروز دور وتأثير مجاهدي خلق كقوة سياسية فعالة في الداخل الإيراني، وعلى الصعيد الدولي أيضًا، من خلال النشاطات السياسية والإعلامية التي تثابر على القيام بها.
الثاني: بعد سلسلة الهزائم والانتكاسات التي تعرض لها النظام في المنطقة، وكسر شوكته بصورة غير مسبوقة، فإن النظام أصبح كالوحش المصاب بجرح بالغ من الصعب التئامه، بل وحتى إمكانية أن تتضاعف آثاره الجانبية. فإنه، ومن دون أي شك، يعيش حالة استثنائية تهيمن فيها مشاعر الخوف والقلق على مختلف أوساطه، من جراء ما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة، التي من الواضح أن خيارات النظام تكاد تكون فيها معدومة.
إقرأ أيضاً: التفاوض مع النظام الإيراني جهد بلا جدوى!
منذ سقوط الحليف الأساسي للنظام الإيراني في سوريا، والأنظار تتجه أكثر فأكثر إلى الداخل الإيراني الساخط على النظام، ولا سيما أن ما حدث في سوريا ولبنان وغيرها خلال الأعوام الأخيرة، وبالأخص في عام 2024، قد جعل إيران المحطة التالية، في وقت تزايدت فيه العوامل والأسباب أكثر من أي وقت سابق، لتؤكد أن الأوضاع الحالية في إيران هي أجواء محتقنة، وشبيهة بذلك البركان الذي يغلي بقوة وينتظر لحظة الانفجار الكبير.
بالإضافة إلى الضغوط الخارجية، يسعى الاستبداد الديني في الداخل، عبر مراكز الحرس الثوري وقوات البسيج وعناصر قمع قوى الأمن الداخلي والحوزات المسماة بالعلمية، إلى فرض المزيد من أجواء الخوف والقمع على الشعب المحتج. لكن طلائع الثوار الشجعان، بسلسلة من العمليات الجريئة، يوجهون ضرباتهم إلى جدران الاختناق، وبأعمالهم المناهضة للقمع، يشعلون شعلة الأمل والثورة والهجوم على العدو في جميع أنحاء الوطن.
في بداية العام السابع والأربعين لسرقة الثورة المناهضة للشاه، خطفت وحدات الانتفاضة، بتنفيذها 47 عملية جريئة، الهدوء والأمن من عيون حراس النظام المجرمين. في التاسع من شباط (فبراير) 2025، وبينما كان النظام في حالة تأهب قصوى، دكت وحدات الانتفاضة، بشعار "الموت للدكتاتور" و"لا للشاه الاستعماري، ولا للشيخ الرجعي"، مراكز القمع وأوكار الجهل والجريمة والنهب التابعة للنظام، وأظهرت أن الروح الهادرة لثورة 1979 التي أطاحت بدكتاتورية الشاه، لا تزال متقدة، في مسار متطور بنضال أجيال من أشجع أبناء إيران، حتى تحقق الانتفاضة والإطاحة بنظام الاستبداد الديني، وإقامة حكم جمهورية الشعب الإيراني.
إقرأ أيضاً: نوروز الإيرانيين في قبضة ولاية الفقيه!
في كانون الثاني (يناير) 2025، قال الجنرال جيمز جونز في كلمة له عن الروح المتمردة للمقاومة الإيرانية في وحدات الانتفاضة: "وسط القمع الوحشي، انتفضت وحدات الانتفاضة في جميع أنحاء إيران. لقد تحدت نظام السيطرة الواسع للنظام، وبعد اختراق طبقاته الأمنية، استهدفت بجرأة أهداف النظام وقواعد الحرس الثوري ومراكز البسيج. روح المقاومة في إيران حية. هذه الروح لا يمكن قمعها ولا إخمادها".