تتحدث التقارير الاخبارية بشكل مكثف عن عمليات الاغتيال التي تستهدف قيادرات ارهابية في منطقة الشرق الاوسط، فهل تمثل استراتيجية اغتيال القيادات الإرهابية أداة فعالة في مكافحة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مثل حماس والحوثي؟ الإجابة المباشرة هي نعم، فهذه الاستراتيجية تشكل عنصراً حاسماً في أي مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب، وقد أثبتت فعاليتها بشكل متكرر عبر استهداف العقول المدبرة للعمليات الإرهابية والقيادات العسكرية المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين والمصالح الدولية.
تواجه المنطقة العربية والعالم تحديات أمنية غير مسبوقة من تنظيمات إرهابية تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية وتستهدف الملاحة البحرية الدولية وتهدد استقرار المنطقة بأكملها. فمنذ هجوم حماس الإرهابي على مواطني دولة إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف أكثر من 200 رهينة، وصولاً إلى هجمات الحوثيين المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر، أصبح من الواضح أن هذه التنظيمات تشكل تهديداً وجودياً يتطلب استجابة حاسمة وفعالة.
تحليل البيانات المتاحة يشير بوضوح إلى أن استراتيجية الاغتيالات المستهدفة، عندما تُنفذ بدقة وتتكامل مع الضربات العسكرية ضد البنية التحتية الإرهابية، تحقق نتائج ملموسة في تقويض قدرات هذه التنظيمات وإضعاف هياكلها القيادية. فقد شهدنا كيف أدت عمليات استهداف قيادات حماس مثل يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية إلى إرباك كبير في صفوف التنظيم وإضعاف قدرته على شن هجمات جديدة.
لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: هل يمكن لهذه الاستراتيجية وحدها أن تقضي على التهديد الإرهابي؟ وما هي الشروط اللازمة لضمان فعاليتها القصوى؟
في السياق العملي، أدت عمليات استهداف قيادات حماس الأخيرة إلى إضعاف كبير في قدرات التنظيم. فقد أدى اغتيال يحيى السنوار، الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن بأنه " "كان يحيى السنوار إرهابيًا شرسًا لم يتوقف عن إرهابه، ومسؤولا عن أكبر مذبحة ضد اليهود منذ المحرقة (الهولوكوست)".، إلى نجاح رمزي وعملياتي كبير للقوات الإسرائيلية.
كما أن استهداف القيادات العسكرية الإرهابية مثل محمد ضيف قائد الجناح العسكري لحماس، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي، أدى إلى إرباك كبير في صفوف التنظيم وأضعف قدرته على التخطيط والتنفيذ.
بلاشك لتحقيق أقصى فعالية، يجب أن تكون استراتيجية الاغتيالات المستهدفة جزءاً من نهج شامل لمكافحة الإرهاب، يتضمن عدد من العناصر المهمة، منها أن تستهدف العمليات ليس فقط القيادة العليا، بل أيضاً القيادات الوسطى والتنفيذية التي تشكل العمود الفقري للتنظيمات الإرهابية. فاستهداف القيادات العليا فقط قد يؤدي إلى ظهور قيادات جديدة، بينما يؤدي استهداف القيادات على جميع المستويات إلى إضعاف الهيكل التنظيمي بأكمله. في حالة حركة حماس الإرهابية، يعني ذلك استهداف ليس فقط قادة المكتب السياسي مثل إسماعيل هنية، بل أيضاً قادة الأجنحة العسكرية مثل محمد ضيف، والقيادات الميدانية في مختلف كتائب القسام. وفي حالة الحوثيين، يعني استهداف عبد الملك الحوثي وأعضاء المجلس السياسي الأعلى، وكذلك قادة الوحدات العسكرية والأمنية المختلفة.
ولا ننسى على انه يجب أن تتكامل عمليات اغتيال القيادات مع ضربات عسكرية تستهدف البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية، مثل مخازن الأسلحة، ومراكز التدريب، وغرف العمليات، وشبكات الاتصالات. هذا التكامل يضمن ليس فقط إزالة القيادات، بل أيضاً تدمير الأدوات التي تمكن التنظيم من العمل.
الضربات الإسرائيلية الأخيرة في غزة مثال على هذا النهج المتكامل، حيث تم استهداف قيادات حماس الارهابية بالتوازي مع تدمير شبكة الأنفاق والمنشآت العسكرية التابعة للتنظيم. وبالمثل، فإن الضربات الأمريكية والإسرائيلية ضد الحوثيين استهدفت منشآت عسكرية ومخازن أسلحة وموانئ تستخدم لاستيراد النفط ونقل الأسلحة الإيرانية إلى المنطقة.
ولا يمكن لاستراتيجية الاغتيالات المستهدفة أن تنجح بشكل كامل دون قطع خطوط الإمداد والتمويل للتنظيمات الإرهابية. فإيران، على سبيل المثال، تقدم دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً لكل من حماس والحوثيين، مما يمكنهما من الاستمرار في أنشطتهما الإرهابية رغم الضربات التي يتلقونها.
لذلك، يجب أن تشمل الاستراتيجية الشاملة فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الدول والكيانات التي تدعم الإرهاب، ومراقبة التحويلات المالية المشبوهة، واعتراض شحنات الأسلحة، وتجفيف منابع التمويل الأخرى مثل التهريب والأنشطة الإجرامية.
إن استراتيجية اغتيال القيادات الإرهابية ليست مجرد خيار تكتيكي، بل هي ضرورة استراتيجية في مواجهة تنظيمات لا تعترف بقيم الحضارة الإنسانية، ولا تتورع عن استهداف المدنيين وتعريض الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي للخطر.
إن الاستمرار في هذه الاستراتيجية وتكثيفها، مع تطويرها لتتناسب مع خصائص كل تنظيم إرهابي، هو السبيل الأمثل لحماية المدنيين وضمان استمرار تدفق التجارة العالمية وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
يجب أن ندرك أن مكافحة الإرهاب هي معركة طويلة الأمد تتطلب الصبر والمثابرة والتصميم. وأن كل نجاح في استهداف قيادة إرهابية هو خطوة على طريق تحرير المنطقة من براثن الإرهاب وبناء مستقبل أكثر أمناً واستقراراً للجميع.