: آخر تحديث

إنهاء حماس يتطلب انتفاضة شعبية فلسطينية حقيقية

3
3
3

بات ملحاً اليوم إثبات كينونة الشعب الفلسطيني وعلو صوته، بعد ما تعرض ويتعرض له من إجرام تجاوز حدوده مفاهيم الإبادة؛ من قتل وتجويع وتشريد.. وخطر تهجير بات قاب قوسين أو أدنى بفضل استمرار بقاء اليمين الفلسطيني والإسرائيلي في مشهد الحرب في غزة.  

مئة عام من الانتفاضات والثورات والعمل الكفاحي، بدأها ضد الانتداب البريطاني وتوجها بثورة عام 1929، ومن ثم عام 1936، واستمرت بالنسق والاندفاعية ذاتها ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه. منذ عقود، والشعب الفلسطيني يقود شعلة النضال العالمي، فكان الداعم والمحرك لثورات في دول أميركا اللاتينية وقارة أفريقيا وشرق آسيا، وأضحت كوفيته رمزاً كفاحياً يُستدل عليه لمحاربة الإمبريالية الساعية لسلب إرادة الشعوب في تحديد مصيرها ونهب ثرواتها.  

في تحول دراماتيكي كبير في مسيرة الشعب الفلسطيني ونضاله، قادت حركة حماس انقلاباً دموياً ضد السلطة الفلسطينية، مستغلة سنوات من نهج تدريجي من خطاب تخويني ذي قواعد ترهيبية ضد مؤسسات السلطة وعناصرها، وجرى قتل مئات من الفلسطينيين ورميهم من أعالي المباني. فكان وعي الشعب الفلسطيني الحازم في عدم الانجرار إلى تصادم مسلح مع هذه الخطوة الانقلابية، وأسهمت في ذلك الحين القرارات التي اتخذتها السلطة بالانسحاب من مشهد غزة، والانخراط مع حماس في حوار عبر جولات مكوكية في العديد من العواصم العربية والإقليمية والدولية لإنهاء هذه الآفة التي علقت في مسيرة وسيرة النضال الفلسطيني.  

إقرأ أيضاً: مأزق السياسة القطرية في الشرق الأوسط

كثيرة هي المؤشرات وعلامات الاستفهام التي تحيط بانقلاب حماس، والمباركة الإسرائيلية في حينه التي ساهمت في توغل قبضة الحركة الأمنية والعسكرية داخل القطاع.  

وليس ضعفاً في الشعب الفلسطيني في أخذ زمام المبادرة في تحديد حاضره أو مستقبله، بل هروباً من سيناريو اقتتال تتبرع به الحركة ذات الفلك الإخواني، بناءً على نماذج حكم من الفلك ذاته والأيديولوجيا ذاتها، سببت في ضياع دول لتبني وجودها على أجساد ومصائر شعوبها.  

ليأتي السابع من تشرين الأول (أكتوبر) المشؤوم، وكان الحل الذي أخرج بنيامين نتنياهو ومنظومته اليمينية من دوامة الملاحقات القضائية وموجات الاحتجاجات التي ملأت شوارع تل أبيب مطالبة بإسقاطه. استطاع بحنكته السياسية الخروج من حفرة قبره السياسي، والنجاة بأعجوبة من نحر سياسي سن سكينه معارضة ضعيفة لم تستغل الفرص التي أتيحت لها مراراً لإسقاطه في الكنيست.  

ماطل بنيامين نتنياهو بأسلوبه الراقص على حبال السياسة والحرب، ودفع بالوقت انتظاراً لقدوم دونالد ترامب، الذي تجاوز بمواقفه أي إسرائيلي في تل أبيب، وساق رؤيته ليكون نتنياهو وزمرته خلفه وليس أمامه.  

إقرأ أيضاً: تجميد المقاومة المسلحة الفلسطينية

كثيرة هي المقالات التي تناولتها عبر صفحات العرب، تحليلات لكل فصل من فصول الصراع وتداعياته وارتداداته، وفي بعضها تنبأت بهبات شعبية في قطاع غزة ضد حكم حماس، الذي لن تتنازل عنه مهما بلغ الضغط العسكري الإسرائيلي الذي يفضي إلى قتل آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.  

اليوم كثرت الدعوات لحماس للاستسلام وتسليم الرهائن، كون الثمن الذي سيدفع في ظل دعم دونالد ترامب اللامحدود أكبر من أي إنجازات قد تتحقق، هذا إن كانت حماس تستطيع تحقيقها.  

مجدداً، الدعوات لاستسلام حماس غير واقعية، ولا تشكل حلاً للأزمة، ولن توقف الإبادة، بل يجب أن يأخذ الشعب الفلسطيني المبادرة، وينتفض في وجه حركة حماس وأشكالها التنظيمية وعناصرها الحكومية في القطاع، لتصويب الخلل الذي نعيشه منذ الانقلاب. لتكن نتيجة وطنية حتمية تقود إلى وقف الحرب، ووقف الإبادة، والتصدي لمشاريع التهجير، كمقدمة لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، التي ستفقد مبررات وجودها حال إنهاء حكم حماس.  

المعادلة ببساطة: نتنياهو لا يريد سلاح حماس، بل يريد قتل الفلسطينيين بذريعة نزعه. نتنياهو لا يريد الرهائن، بل يريد إبادة سكان غزة بذريعة تحريرهم.  

الانتفاضة ضد حماس هي السبيل والطريق لإنهاء وجود منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو.  

وهي السبيل والطريق للالتفاف حول المتطلبات التي تحفظ قوة الشعب الفلسطيني، وتجمع قوته، وتصون حقوقه على أرضه في غزة والضفة والقدس. فعلى العالم أن يسمع صوت الشعب الفلسطيني المختطف تحت وهم استبداد أجندات إقليمية. وهي الرادع المحق في ظل التماهي الملموس بين حماس ونتنياهو في حفاظ كل منهما على الآخر كورقة بقاء وثبات في الحكم والصراع.  

في تجليات الصراع مع حماس، والحديث عن خيار استسلامها من عدمه، يتضح جلياً أن الصراع معها، كونها حركة عبثية النهج يحكمها مرتزقة غير مكترثين بالدماء التي سالت وتسيل وتروي تراب القطاع، مما يجعلها شريكة أساسية لنتنياهو في إبادة الفلسطينيين. وهذا المنطلق الذي يجب التعامل معه في محاسبتها التي تبدأ بالانتفاضة عليها.  

إقرأ أيضاً: الشعب الفلسطيني لا يريد حماس

إنهاء حماس، الذي يراه البعض مستحيلاً كونها فكرة أيديولوجية راسخة، لن يكون كذلك لو انتفض الفلسطيني لإنهاء مشروعيتها في تاريخه النضالي والسياسي، خاصة وأن السلاح الذي بحوزتها لم يعد له تأثير يذكر، لتبقى جاثمة باسم المقاومة فوق صدور الشعب.  

في ظل هذا المنعطف الحرج الذي تمر به القضية الفلسطينية برمتها، فإن الانتفاضة في وجه حماس لم تعد رفاهية في مساق النضال الفلسطيني، بل حقيقة أفرزها الواقع القاسي الذي يعيشه مليونا مواطن في القطاع.  

إنهاء حماس سيقطع الطريق على بنيامين نتنياهو وجيش الاحتلال وأجهزته في مشروع الإبادة والتهجير، وليس فقط سيفشل مشروعه في غزة، بل سيفشل مشروعه في الضفة والشرق الأوسط الجديد بأسره، الذي يسير بخطى ثابتة لتنفيذه.  

في ظل الحرب والدمار المستمر منذ عام ونصف، يصبح أي صمت أو هروب من الواقع، وعدم تغيير الحكم داخل القطاع جريمة بحق الغزيين الذين يدفعون الثمن وحدهم. الأولوية اليوم هي إنقاذ ما تبقى من غزة، وتخفيف معاناة أهلها الذين أنهكتهم الحرب والحصار.  


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.