جاءت بيانات الميزانية العامة للدولة لعام 2026 لتؤكد أن مصلحة المواطن والمقيم، وكذلك الزائر للمملكة، تقف في صدارة أولوياتها، كما أبرزت أن الإنفاق الرأسمالي لن يؤثر مطلقًا في توفر الخدمات الأساسية المقدَّمة، انطلاقًا من أن تحسين جودة الحياة هو الهدف الأسمى للدولة، وذلك انسجامًا مع إطار رؤية السعودية 2030.
ومن هذا المنطلق، تواصل الحكومة تقديم الخدمات الأساسية وتطويرها للمواطنين والمقيمين والزوار، بما يضمن الارتقاء بجودتها وتحسينها المستمر، ويسهم في تحقيق أعلى مستويات الرفاه الاجتماعي الذي تنشده وتسعى بجدٍّ وطموح إلى بلوغه.
كما أن توسّع الدولة في الإنفاق، ولا سيما على برامج الحماية الاجتماعية الموجَّهة لمستحقيها من المواطنين، يجسّد حرصها على تعزيز فعالية هذه البرامج، بوصفها جزءًا من سياساتها الهادفة إلى إسعاد المواطن ورفع مستوى جودة حياته.
كما جاءت أرقام الميزانية لتؤكد استمرار الحكومة السعودية في دعم المشاريع التنموية التي ستسهم، في نهاية المطاف، في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، وبناء اقتصاد قوي ومتين ومالية عامة راسخة، لا تعتمد -كما كان الحال قبل انطلاق الرؤية- على النفط بشكل كبير. ويأتي ذلك ضمن آليات تنفيذ تراعي كفاءة الإنفاق، مع التركيز على العدالة في توزيع المشروعات بين مختلف مناطق ومدن المملكة، بما يضمن تحقيق تنمية مستدامة وشاملة على مستوى جميع المناطق.
وتواصل الحكومة المحافظة على استدامة المالية العامة بالتوازي مع دعم النمو الاقتصادي المستدام، وذلك من خلال ترتيب أولويات الإنفاق الرأسمالي والتنموي بما يضمن توجيه الموارد المالية نحو المشاريع والبرامج ذات العائدين الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يعكس حرص الدولة على إدارة مواردها بكفاءة لضمان تحقيق نمو مستدام، وتعزيز مركز مالي قوي ومتِين، عبر تنفيذ سياسات اقتصادية ومالية متوازنة من شأنها إحداث التحول الهيكلي في الاقتصاد والتركيز على تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
وأكدت وزارة المالية، في بيان صدر بمناسبة إعلان أرقام الميزانية الجديدة، أن السياسة المالية في المدى المتوسط ستكون داعمة للمرحلة الثالثة من رؤية السعودية 2030، من خلال تركيزها على تعظيم الأثرين المالي والاقتصادي معًا. كما أن استمرار النهج التوسعي في الإنفاق الحكومي على المشاريع والبرامج ذات الطابع التنموي، وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج رؤية 2030، سيُسهم ليس فقط في دعم برامج الرؤية وتحقيق مستهدفاتها التنموية الطموحة، بل سيعمل أيضًا على تحسين بيئة الأعمال وتطويرها، ودعم الصادرات، وزيادة حجم ونوعية استثمارات القطاع الخاص.
أكد معالي الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان، وزير المالية، أن من أبرز أولويات الحكومة إدارة العجز في الميزانية وتنفيذ استراتيجيات تضمن إدارة الدين العام بشكل مستدام، والمتوقع أن يبلغ إجمالي رصيده نحو 1,457 مليار ريال في عام 2025، بما يشكّل 31.7 % من الناتج المحلي الإجمالي. وأضاف معاليه أن الحكومة تسعى إلى مواصلة عمليات التمويل المحلية والدولية لتغطية العجز المتوقع في ميزانية عام 2026، وسداد أصل الدين المستحق خلال العام ذاته وعلى المدى المتوسط، مع الاستفادة من الفرص المتاحة في الأسواق المالية لتنفيذ عمليات التمويل الحكومي البديل، التي تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي وتمويل المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية.
وأشار بيان وزارة المالية إلى توقع وصول إجمالي الدين العام إلى نحو 1,622 مليار ريال، ما يعادل 32.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يظل ضمن الحدود المستهدفة والمستدامة، مقارنة بالمعايير الدولية.
وأخيرًا، تهدف ميزانية عام 2026 إلى المحافظة على متانة المركز المالي للمملكة وتعزيز الاستدامة المالية، من خلال الإبقاء على مستويات مستقرة من الدين العام واحتياطيات مالية معتبرة، بما يعزّز قدرة المملكة على مواجهة الصدمات الخارجية. وقد توقّع البيان النهائي لميزانية عام 2026 استمرار رصيد الاحتياطيات الحكومية لدى البنك المركزي السعودي (ساما) عند مستواه المسجّل في عام 2025، ليبلغ نحو 390 مليار ريال بنهاية عام 2026.
لا شك أن الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي نفذتها المملكة منذ انطلاقة رؤيتها المباركة في عام 2016 كان لها دور بالغ الأهمية في تحسين المؤشرات المالية والاقتصادية، وتحقيق تقدم ملموس في تعزيز التنوع الاقتصادي وترسيخ الاستقرار المالي. وتُظهر التقديرات الأولية لعام 2025 نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية بنسبة 5.0 %، نتيجة استمرار الأنشطة الاقتصادية في تحقيق معدلات نمو متصاعدة، مدعومةً بالتوسع في الاستثمارات وارتفاع مستويات الاستهلاك. أما في عام 2026، فتشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6 %، مدفوعًا بنمو الأنشطة غير النفطية التي تُعد المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي.
ولله الحمد، وبرغم تباطؤ أداء الاقتصاد العالمي وضبابية المشهد والتحديات المحيطة، يواصل اقتصادنا الوطني نموّه بمعدلات إيجابية تُعدّ منافسة عالمياً، محققًا قفزات نوعية، ومحافظًا في الوقت نفسه على مستويات تضخّم منخفضة أسهمت في ترسيخ الاستدامة المالية في العديد من فروع وأنشطة الاقتصاد الوطني. كما شهد الاقتصاد الوطني نموًا ملحوظًا مدفوعًا بالأنشطة غير النفطية التي سجّلت خلال العام الماضي نموًا قويًا ومتسارعًا، محققة أعلى مستوى تاريخي عند 2.6 تريليون ريال، بنسبة نمو بلغت 5.2 % على أساس سنوي، مما جعلها المحرّك الرئيس لنمو الناتج المحلي الإجمالي بمساهمة بلغت 2.8 نقطة خلال الفترة ذاتها. إضافة إلى ذلك، سجّلت المملكة ارتفاعًا في إمدادات البترول الخام خلال شهر سبتمبر من العام الجاري بنحو مليون برميل يوميًا، ليصل إجمالي الإنتاج إلى نحو 10 ملايين برميل يوميًا.

