: آخر تحديث

وداعاً أم فلاح

4
4
4

موسى بهبهاني

الأم سر الوجود وبهجته، ولا تطيب الحياة إلا بوجودها، ويكفيها فخراً أن الجنة تحت أقدامها، إن كانت امرأة صالحة.

تتبدل حياة الأبناء إلى اليتم عندما يُغيّب الموت الأم، فتبدأ مشاعر الألم والفقد والحسرة والأوجاع.

(أم فلاح) درة مصونة، قد حفظت نفسها باحتشام، تميزت بارتدائها الثوب التراثي البدوي (البرقع والعباءة)، بالإضافة إلى تميزها بحسن الخلق وعفة اللسان.

(أم فلاح) رحمها الله، امرأة عانت الكثير من الآلام، إنها قصة تفيض بالحزن النبيل، وتعكس صورة امرأة مؤمنة، صابرة، حملت من البلاء ما تنوء به الجبال، لكنها لم تنكسر بل سمت بروحها حتى لقيت ربها بنفس طاهرة كريمة.

(أم فلاح) أمرأة ليست كسائر النساء، فهي من معدنٍ نادرٍ وطرازٍ رفيع، تجلّت فيها صفات القوة والعزيمة، وتوشّحت بالصبر والإيمان، رأت في كل نكسة امتحاناً وفي كل محنة حكمة من المولي عزوجل.

(أم فلاح) رحمها الله، قد ابتُليت وذاقت من مرارة الحياة ما لا يطيقه الكثيرون، فقدت ابناً شاباً من أبنائها فسلّمت أمرها لله، ثم فقدت زوجها الذي كانت ترعاه فى مرضه بحنان واحترام وتقدير لا يُوصف، بالإضافة إلى رعايتها لأبنائها وأحفادها، وخصوصاً رعايتها لابنها الأصغر من ذوي الهمم.

ولم تتوقف المحن بل زادتها الأيام وجعاً، فأصابها مرضٌ خبيث وأُجريت لها عملياتٌ جراحية متتالية، لكنها لم تنجح ولم تُفلح في ردّ الألم، ومع ذلك لم تتذمّر ولم تضعف بل كانت صابرةً محتسبة، ترفع يديها إلى السماء وتقول:

«اللهم لك الحمد على كل حال».

ومع كل ذلك، دائماً يلهج لسانها بالدعاء، وتذكر المولي عزوجل، وتسبحه وتحمده على كل شي، وأتذكرها كانت دائماً تذكر أن الكويت بخير، وإن شاء الله ترتقي للأحسن، ونحن بخير ونعمة ولله الحمد.

حالتها الصحية كانت تسوء وتتدهور يوماً بعد يوم، ومع ذلك لم تتغير ظلت، كما هي مؤمنة بقدر الله وصابرة... وقبل ساعات من وفاتها استدعت أبناءها وأوصت بأن يكونوا معاً، متحابين، مترابطين، ولا يتفرقون، وتظل «جمعاتهم» في المنزل كما كانوا، وطلبت منهم الاهتمام ورعاية الابن الأصغر من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يحتاج إلى عناية أكبر بعد رحيل والدته.

وحانت لحظة الفراق رحلت (أم فلاح) رحمها الله، بعد أن اختارها المولي عزوجل إلى الحياة الأخرى، فانطفأت شمعةٌ من شموع الصبر، وسكنت روحها الطاهرة، وارتاحت من الدنيا وهمّها، وذهبت إلى رب كريم.

اللّهُمَّ إنَّ (أم فلاح) نَزَلَتْ بِكَ وَأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، اللّهُمَّ إنَّا لا نَعْلَمُ مِنْها إِلاّ خَيْراً وَأنْتَ أعْلَمُ بِها مِنَّا، اللّهُمَّ إنْ كانَتْ مُحْسِنَةً فَزِدْ فِي إحْسانِها وَإنْ كانَتْ مُسَيئةً فَتَجاوَزْ عَنْها وَاغْفِرْ لَها، اللّهُمَّ اجْعَلْها عِنْدَكَ فِي أعْلَى عِلِّيِّينَ وَاخْلُفْ عَلى أهْلِها فِي الغابِرِينَ وَارْحَمْها بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

«إنّا لله وإنا إليه راجعون».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد