تتجاوز القيادة حدود التوجيه، وتتحول إلى قدوة حية تنبض بالعطاء، تتغير المعاني وتولد الحملات لا من قاعات الاجتماعات بل من نبضات القلوب. في لحظة إنسانية رفيعة، مدّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ذراعه ليتبرع بدمه، لا كمجرد إجراء طبي، بل كرسالة حيّة لكل مواطن ومقيم أن الإنسان أغلى ما نملك، وأن الإنقاذ لا يحتاج إلا لنية طيبة وقطرة دم.
جاءت هذه البادرة النبيلة إيذانًا بانطلاق الحملة الوطنية السنوية للتبرع بالدم، ضمن رؤية تعلي من قيم التراحم والتكافل، وترى في الإنسان مركز الاهتمام ومفتاح التنمية. هذه الحملة لم تكن مجرد فعالية موسمية، بل حدث وطني ارتقى بمستوى المشاركة المجتمعية.
انتشرت مراكز التبرع في مختلف مناطق المملكة، واستقبلت أعدادًا كبيرة من المتبرعين منذ الساعات الأولى لانطلاق الحملة، ما أدى إلى ارتفاع نسب التبرع، فالمشهد لم يكن مجرّد أرقام، بل قصة وطن تسابق فيه الوزراء والمسؤولون والمواطنون، استجابة لنداء أطلقه القائد بالفعل قبل القول.
انتشرت في وسائل الإعلام صورة ولي العهد -حفظه الله- وهو يتبرع، حتى تحركت مشاعر الانتماء لدى الجميع، لتتحول هذه الحملة إلى رمز للتماسك المجتمعي، حيث اختلطت الوطنية بالإنسانية، فخرج الناس ليقدموا دماءهم في سبيل إنقاذ أرواح لا يعرفون أصحابها، ولكن يجمعهم بهم وطن واحد، ومصير واحد، وأمير اختار أن يكون في الصف الأول من المتبرعين.
لم تكن هذه الحملة استجابة لحاجة طارئة، بل جاءت ضمن هدف استراتيجي معلن تسعى فيه وزارة الصحة إلى رفع نسبة التبرع الطوعي بالدم إلى 100 %، ضمن منظومة وطنية متكاملة تسعى إلى تعزيز الجاهزية الطبية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في بنوك الدم، ومواجهة التحديات الصحية بحلول تعتمد على المجتمع نفسه، لا على المساعدات العاجلة.
أكدت النتائج الأولية أن بنوك الدم في المملكة شهدت تحسنًا ملموسًا في وفرة الإمدادات، واستطاعت تقديم خدماتها للمرضى ومصابي الحوادث والمحتاجين للعمليات المعقدة دون تأخير، ما يترجم الأثر الفوري لهذه الحملة المباركة. بل إن بعض المستشفيات أعلن عن بلوغ نسب الاكتفاء الكامل خلال أيام من انطلاق الحملة، وهو إنجاز يُحسب للوطن كلّه.
في ظل رؤية 2030، تتحول المبادرات إلى مشروعات كبرى، وتُصاغ القيم بلغة الواقع. وقد جاءت حملة التبرع بالدم بقيادة ولي العهد -حفظه الله- لترسّخ أن العطاء ليس قرارًا فرديًا، بل ثقافة وطنية، وحراك جماعي يشارك فيه كل فرد، من الطفل الذي يسأل والده عن معنى "التبرع"، إلى الطبيب الذي يمد يده لاستلام أكياس الحياة.
قطرات الدم، أطلقت موجة من التضامن، تدفقت من كل جهات الوطن، لتقول للعالم: هذا وطن يحيا بالرحمة، ويقوده من يعرف أن أقوى أشكال القيادة هي أن تكون أول من يعطي. ومع هذه الحملة، لم يعد التبرع بالدم مجرد إجراء طبي، بل صار تعبيرًا صادقًا عن المواطنة، وشهادة حيّة على أن المملكة لا تنبض إلا من قلوب أهلها.