: آخر تحديث

رهان الاستثمار في الإنسان

3
2
2

صيغة الشمري

تتسارع التحولات التقنية وتتغيَّر أنماط الاقتصاد بشكل غير مسبوق، بينما يتضح أن أعظم استثمار يمكن أن تقوم به أي دولة ليس في البنية التحتية وحدها ولا في التقنيات المستوردة، بل في الإنسان القادر على الإبداع والتطوير، باعتبار أن المواهب الوطنية هي الثروة الحقيقية التي تضمن بناء اقتصاد رقمي قادر على المنافسة في عصر متطور.

رؤية السعودية 2030 وضعت هذا المفهوم في صميم إستراتيجياتها، إذ اعتبرت أن تنمية القدرات البشرية وتمكين الكفاءات الوطنية نقطة انطلاق لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، مبني على العقول المبدعة القادرة على التعلّم المستمر عبر تقنيات حديثة تصنع الحلول التي تلبي احتياجات المستقبل.

والمتابع للتطور في بلادنا يجد أنها باتت تمتلك واحدة من أكبر المشاريع الرقمية في المنطقة، تضم مئات الآلاف من المختصين في مجالات التقنية والابتكار، ما يشير على نضج بيئة وطنية تستثمر في التعليم، وتغرس قيم الابتكار، وتفتح أبوابها للشراكات المحلية والعالمية، بينما يضاعف من قيمة هذه المكاسب المشاركة الفاعلة للمرأة السعودية التي تميَّزت بشكل لافت في قطاع التقنية، متجاوزة حتى بعض الاقتصادات الكبرى في الكثير من بلدان العالم.

وأعتقد أن الاستثمار في أبناء وبنات الوطن يتجاوز كونه مشروعاً اقتصادياً حضارياً يعيد تعريف مكانة المملكة في خريطة العالم الرقمي، فالتقنيات قد تشترى، لكن بناء العقول القادرة على توظيفها وتطويرها هو ما يضمن الاستدامة ويصنع الريادة،

أصبح من الواضح أن قوة بلادنا الحقيقية لا تُقاس فقط بحجم استثماراتها في البنية التحتية أو الشركات التقنية، بل بقدرتها على تحويل الإنسان إلى المحرك الأول للاقتصاد الذكي والاستفادة من القدرات الشبابية الهائلة. وإن كان العالم يتجه نحو الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي كمعيار للتقدم، فإن المملكة تمهد الطريق لأن تكون في موقع القيادة، بفضل رهانها الإستراتيجي على الإنسان.

وفي ظل التغيُّرات العالمية المستمرة، لم يعد الاستثمار في رأس المال البشري خياراً ترفيهياً، بل ضرورة وجودية للدول الطامحة للمنافسة، وخصوصاً أن التغيُّرات التكنولوجية الكبرى - من الذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة السحابية والاقتصاد القائم على البيانات - تفرض واقعاً جديداً، يجعل من امتلاك الكفاءات الماهرة عاملاً حاسماً في تحديد موقع الدول على خريطة الابتكار العالمية. وهنا تبرز بلادنا بنموذجها المختلف، حيث وضعت الإنسان في قلب التنمية، لتبني اقتصاداً لا يعتمد ثروة أهم من الإنسان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد