يأتي الفوز الباهر والمباغت للأميركي الجنسية الأوغندي الولادة والهندي الأصل زهران ممداني رئيساً للولاية الأكبر نيويورك، الأهم بين الولايات، يوم الثلاثاء 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، ليسجل حدثاً كبيراً في التاريخ السياسي والشعبي الأميركي.
لقد افترض ترمب بعد فوزه المبهر وما تلا الفوز من مواقف ومبادرات وتقريع بالخصوم، أن شمس «الزمن الجمهوري» ستشرق من جديد في عهده، وبحيث لا تعود التسمية «الحزب الجمهوري»، وإنما «الحزب الترمبي» القادر على أن يجترح المبادرات التي تنسجم مع رؤيته إلى «أميركا الأعظم»، وكانت له في هذا الصدد عبارات وتعبيرات واضحة على الوجه وعلى القامة، شملت حتى الصينيين الذين يتصرفون وفْق تربية حزبية سياسية جازمة، غير مأخوذ بها في الأسلوب الرئاسي الأميركي بالذات لجهة التخاطب، كما شملت أقواماً من دول ومقامات في القارات الخمس، ثم تأتي مفاجأة ممداني فوزاً برئاسة بلدية نيويورك، لتربك المشهد الترمبي.
حاول الرئيس ترمب بقذائفه إبهات النصر الذي حققه ممداني مثْل أنه شيوعي، مقترفاً كلاماً غير مستحب؛ مثل «إن أي شخص يهودي يصوِّت ﻟزهران ممداني الكاره لليهود المثبَّت والمعلَن، هو شخص غبي»، مع الوعيد غير المستحب بأنه لن يمنح مدينة نيويورك في حال «فوز هذا الشيوعي»، «سوى الحد الأدنى من الأموال الفيدرالية».
كان فوز ممداني نوعاً من تطييب خاطر عشرات الألوف من طلاب الجامعات والمنظمات الأهلية الذين ألحقت الإدارة بهم أنواعاً من العقوبات الردعية، وذلك لأنهم شوشوا بالمظاهرات التي قاموا بها لدواعٍ إنسانية؛ لا علاقة لها بالثورية ولا بالشيوعية ولا بالاشتراكية، الأوصاف التي يدمغ بها النهج الترمبي الذين يعترضون على إجراءاته الحكومية المعيشية، وعلى عدم التصرف بعدالة إزاء ما تعرَّض له الشعب في غزة من اقترافات إسرائيلية ما كانت لتتواصل، لأن الإدارة الأميركية صمتت دهراً، ونطقت بعد ثلاث سنوات إجراءات غير فعالة إزاء العدوان الإسرائيلي الذي يتواصل ضد لبنان.
بدا الفوز بمثابة مؤشر إلى أن حالة نهوض، أو فلنقل استنهاض شبابية، ربما ستشهدها الدولة العظمى بالتدرج، إلَّا إذا ارتأت الإدارة الأميركية إحداث انفراجات في معظم المجالات، ولا تبقى راعية النخبة المقتدرة مليارياً. وهنا يؤخذ في الاعتبار إطلاق إدارة الرئيس ترمب إشارات للأميركان اليهود بألا يقترعوا لممداني، ودعوة إسرائيل من جانبها اليهود إلى الهجرة من نيويورك، وفي نواياها من ذلك أن عاصمة المال في الولايات المتحدة ستصبح غير ذات أهمية، كون معظم قطاعات المال والمصارف والتجارة والأبراج والمناطق السكنية الفاخرة من ممتلكات أفراد في الطائفة اليهودية.
بدل أن يتأمل هؤلاء الذين اغتنوا بعرَق جبين كل مهاجر عربي أو أفريقي أو آسيوي، أن يتأمل القطاع الملياري في هذا التفاعل العفوي مع هذه المفاجأة التي كان بضعة ملايين في كبرى دول العالم يتطلعون ببعض الأمل المنشود إلى حدوثها، فإنَّ الأجدى هو الوقوف مع هذه «المفاجأة الممدانية» التي تشكِّل رسالة تنبيه إلى «المفاجأة الترمبية» التي حدثت، وأن بعض رؤى هذه مع بعض رؤى تلك، تصطلح أمور كثيرة وترسم معالم الولايات المتحدة بوصفها دولة عظمى تمارس دورها العادل المنشود... والمغيَّب ما دامت إدارتها لا تقرر مساعدة الدول وليس المبالغة في احتوائها، وتقول «نعم ﻟدولة فلسطينية»، وليس المبالغة في الحرص على إسرائيل التي أفقد زهران ممداني زهوة اعتبار نيويورك شقيقة تل أبيب عبْر البحار.

