: آخر تحديث

«الأدب والنشر والترجمة» تغوصُ في آداب الدرعية والبندقية

0
1
0

منذُ ثلاثة قرون؛ صيّرَ أئمة الدولة السعودية «الدرعية» عاصمةً ثقافيّة، انبعثَت منها إشعاعات الأدبِ والثقافةِ والشعرِ، فمنذ بزوغها في العام 1727م؛ كانت خزانة للكتب والوثائق والمخطوطات، وفي مكتباتها نفائس الكتب وأمهاتها، ومن تلك المحافظة؛ برزَ شعراء وأدباء، وعلماء ومبرزون في كل مجال؛ فالشاعر عبد الله بن محمد بن خميس من أدبائها وشعرائها ومثقفيها، صاحب كتاب «الدرعية: العاصمة الأولى»، وكذا المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر، صاحب كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد»؛ الذي وثّق الحياة العلمية والأدبية والاجتماعية في تلكم المدينة. وغيرهما كثير ممن أثروا الساحة الأدبية بالشعر والأدب والثقافة، وظلت الدرعية مهدًا للأدب بكل فنونه. 

ولذا حرصت هيئة الأدب والنشر والترجمة على أن تحيي آداب تلكم المدينة -الدرعية- وتصله بمثيلاتها من مدن العالم، كمدينة البندقية، ذاتِ الموروث الأدبيّ والتاريخيّ، الزاخرة بآثارها؛ فالمدينتان متشابهتان في كثير من العوامل؛ سواء التاريخيّة أو الأدبيّة. فالبندقية احتضنت أول محاولة لطباعة القرآن الكريم في أوروبا في العام 1537م، واللغة العربية تُدرّس في جامعاتها، كما خرجَ من تلكم الجزيرة شعراء وأدباء ومستشرقون أثروا الأدب العربيّ؛ مثل كارلو نالينو، أحد أبرز مؤسسي الدراسات الشرقية الحديثة في إيطاليا. وتُرجمت كتبٌ لأدباء وشعراء سعوديين إلى اللغة الإيطالية؛ كرواية «موت صغير» لحسن علوان، و»مدن الملح» لعبد الرحمن منيف. كما قد تُرجمت المعلقات العشر إلى اللغة الإيطالية بدعم من «مبادرة ترجم». وحينما تغوص هيئة الأدب والنشر والترجمة بتلكم الموروثات وبذلك الأدب الزاخر؛ إنما تؤكد أن للأدب والشعر مذاقهما في كل وقت وحين، وأنهما شاهدان على موروثاتٍ ذات قيم لا تندثر، كما تحيي ذكرى أولئك الشعراء والأدباء والفنانين، وأنّ أعمالهم خالدة باقية. ولمكانة مدينة البندقية الأدبيّة وإسهاماتها في نشر الثقافة العربية؛ أقامت بها هيئة الأدب والنشر والترجمة جلسة حواريّة في يوم الجمعة السابع من نوفمبر للعام 2025م، تحت عنوان «من دروبِ الدرعيّة إلى قنواتِ البندقيّة: الأدب بين حضارتين»، وما ذاك إلا عناية بالأدب والشعر والثقافة لتلكم المدينتين المتجذرتين بالتاريخ، وتلكم الحضارتين -حضارة المملكة العربية السعودية الممتدة منذ قرون والحضارة الإيطالية-؛ فكلا الحضارتين تزخران بالآداب والفنون بشتّى فروعهما. وقد شارك في هذه الندوة متخصصون بالأدب والترجمة من كلا البلدين؛ بُعثِت من خلالها رسائل مفادها أن الأدب والشعر دواوين تبقى ما بقي الزمن، وأن التاريخ يخلِّد ويشهد على إنجازات مهما تعاقب عليها الدهر، وأن الترجمة تُعزز حضور الأدب والتاريخ للعالم كله.

وصاحب هذه الجلسة معرضٌ احتضن بين جنباته نماذج للمساجد تُبرز عظمتها ومكانتها، وفي جانب آخر حرفٌ يدوية سعودية، مُثّل فيه العديد من الحرف التي تفخر بها المملكة العربية السعودية منذ نشأتها، وزاوية أخرى خُصصت لكتبٍ مترجمة، من أبرز موضوعاتها الدرعيّة والعُلا والتمور والإبل والخط العربيّ.

ويتزامن هذا الحراك مع ملتقى الترجمة الدوليّ الذي أقامته أيضًا هيئة الأدب والنشر والترجمة في 6-8 نوفمبر بمدينة الرياض، عاصمة الثقافة والأدب، الذي جاء بعنوان «من السعوديّة: نترجمُ العالم»، وقد تحدث فيه أكثر من سبعين متخصصاً بالترجمة جاؤوا من عشرين دولة؛ وذلك للنهوض بكل ما يُسهم في رقيّ الترجمةِ في كل فروعها. فهيئة الأدب والنشر والترجمة ذاتُ حراكٍ دائم، وما هذان الملتقيان المنعقدان في الرياض والبندقية إلا إضاءاتٌ من تلكم الهيئة؛ التي تحرص كل الحرص أن تنبش الآداب والموروثات، وتأبى أن تأسن، بل تظل تلكم الأعمال جارية تقرؤها الشفاه وتنطقها الألسن، وتترجمها إلى لغات العالم. وما معرض الرياض الدوليّ للكتاب، الذي أُقيمَ من 2-11 أكتوبر إلا من ذلكم الزخم الثقافيّ الذي يعطي للكلمةِ -سواء كانت أدبية أو شعرية أو فنية- حراكًا لا يهدأ. ووزارة الثقافة -ممثلةً بهيئاتها- تدفع الحراك الثقافيّ لتصلَ إلى مبتغيات الرؤية الوطنية 2030، ومن ذلك الحراك ما تغوص به هيئة الأدب والنشر والترجمة ليصطاد لؤلؤه وجوهرة أرباب الأدب والنشر والترجمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد