: آخر تحديث

متى يصل مناخ الأرض إلى نقطة لا رجعة فيها؟

3
3
3

عبدالرحمن الحبيب

يكثر التحذير من خطورة التغير التدريجي للمناخ ليصل إلى نقطة التحول (tipping point) أي دخول مناخ الأرض في حالة جديدة لا رجعة فيها، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف وزيادة حرائق الغابات، بسبب تراكم إطلاق الغازات في الغلاف الجوي (خاصة ثاني أكسيد الكربون)، لكن فهم آلية هذا التحول المعقد لم تتحسن إلا في السنوات الأخيرة للإجابة على أكثر الأسئلة إلحاحاً: كيف يمكن معرفة ما إذا تم تجاوز نقطة التحول بالفعل، وكيف نستعد للعواقب إذا حدث ذلك؟

أكثر ما يتم توجيه الأنظار إليه هو الغابات وفي مقدمتها الأمازون، والمناطق الجليدية في القطبين؛ فمليارات الأشجار في غابات الأمازون وما تنتجه من رطوبة لتكوين السحب مسؤولة عما يقدر ما بين ربع إلى ثلث الأمطار التي تُحافظ على الحياة في هذه الغابات المطيرة على الأقل، كما أن انهيار الغطاء الجليدي الشاسع في جرينلاند سيرفع مستويات سطح البحر العالمية بأكثر من سبعة أمتار، ويتبعه انهيار الدورة المناخية شمال أوربا مسبباً انخفاض الحرارة والأمطار.

هذان مثالان تبسيطيان لعمليات معرفة الترابط لعدد لا يحصى من العوامل التي تحكم مناخ الأرض، ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن نقطة تحول واحدة يمكن أن تؤدي إلى أخرى، على غرار الدومينو (الضومنة)، ففي المثالين السابقين نجد أن انهيار الغطاء الجليدي الذي يسبب انهيار الدورة المناخية شمال أوربا سيقلل إلى حد كبير من هطول الأمطار فوق الأمازون.

لتقدير هذا التعقيد في العمليات المناخية المترابطة ثمة نماذج مختلفة في قياساتها، وتُقدم توقعات مختلفة لتوقيت حدوث نقاط التحول، كما يطرح تقرير مجلة الإيكونيميست حول اختلاف النماذج التي يطرحها العلماء لتحديد مدى قرب وصول مناخ الأرض من نقاط تحول لا رجعة فيها.

على سبيل المثال، تشير بعض النماذج إلى أن الغطاء الجليدي في جرينلاند قد يبدأ في الانحدار بشكل لا رجعة فيه بمجرد أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.8 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو أمر حدث مع مطلع الألفية؛ بينما يضع آخرون العتبة عند ما يقرب من 3 درجات مئوية، وهو ما قد لا يتحقق أبدًا. وبالمثل، ثمة فرق كبير في توقع أن يصبح انحدار الأمازون أمرًا لا يمكن إيقافه عند ارتفاع درجة الحرارة ما بين درجتين مئويتين و6 درجات مئوية، مع أنه يمكن تسريعه بشكل كبير إذا استمر البشر في قطع أو حرق الأشجار بالمعدلات الحالية.

إذن، من غير الواضح معرفة كم من الوقت المتبقي لتحقيق نقطة اللاعودة وما إذا تم تجاوز أيٍّ من نقاط التحول هذه بالفعل؟ للإجابة على هذا السؤال، أعلنت وكالة الأبحاث والاختراع البريطانية المتقدمة (ARIA) في فبراير أنها ستمول أنظمةً قادرة على إنتاج ومعالجة البيانات اللازمة لإنشاء «نظام إنذار مبكر لنقاط التحول»، وتبعها بذلك شركات أخرى ستقيس عوامل مثل درجة حرارة البحر والهواء وسرعة الرياح وذوبان الجليد، بالإضافة إلى أجهزة استشعار مُثبّتة للمراقبة على المدى الطويل.

كل هذه التطورات الأخيرة لم تكن ممكنة إلا بفضل تكنولوجيا الهواتف الذكية والروبوتات الصغيرة ذاتية الإبحار، التي جعلت أجهزة الاستشعار وقوة المعالجة رخيصة.

ولأنه من غير الواضح متى يصل مناخ الأرض إلى نقطة لا رجعة فيها فإن بعض العلماء اعتبر الحديث عن نقاط التحول تشتيتًا ضارًا، عن مسائل مناخية أكثر وضوحاً للتخفيف من أسباب تغير المناخ؛ ففي العام الماضي نشرت مجموعة دولية من العلماء المشهورين مقالاً في مجلة «نيتشر كلايمت تشينج» (Nature Climate Change) جادلوا فيه بأن التركيز على نقاط التحول قد حوّل الانتباه عن الحاجة الأكثر عمومية للتخفيف من آثار المناخ والتكيف معها، والتي يعتبر العلم أكثر يقينًا بشأنها؛ ويخشى آخرون من تعزيز الشعور باليأس وبالقدرية الحتمية، من خلال تأطير بعض التغييرات الكارثية على أنها لا مفر منها.

إلا أن تقرير الإيكونيميست يرى أنه بغض النظر عن ذلك، فإن مفهوم «نقطة التحول» يكتسب أرضية ببطء ولكن بثبات، ففي يوليو، اجتذب مؤتمر كبير حول نقاط التحول في إكستر خبراء التكاليف المالية للمخاطر وعدم اليقين وشركات تأمين وصناديق معاشات تقاعدية بالإضافة إلى علماء ونشطاء المناخ؛ كما تُظهر خدمات الطوارئ والمنظمات الإنسانية اهتمامًا متزايدًا بهذا المفهوم.

وكذلك سيفعل المنظمون البرازيليون لمؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) في قمة الأمم المتحدة للمناخ لهذا العام، والذين من المتوقع أن يركزوا بشكل خاص على موضوع نقاط تحول المناخ.

هذا المؤتمر سيُعقد في نوفمبر في مدينة بيليم البرازيلية التي تُلقب بـ»بوابة الأمازون» كما تُعرف أيضًا باسم عاصمة منطقة الأمازون أو مدينة أشجار المانجو نظرًا لكثرتها، وهي تقع على نهر بارا وهو جزء من نهر الأمازون.. حيث لا يمكن أن يكون المكان والتوقيت أكثر ملاءمة من ذلك، فقد وصف العلماء غابات الأمازون بأنها «الرئة التي تتنفس الأرض من خلالها»، وذلك بسبب عملية البناء الضوئي التي ينتج عنها الأكسجين، وهي أكبر غابة على سطح الأرض إذ تمثل أكثر من نصف إجمالي مساحة الغابات المطيرة المتبقية على الأرض.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد