: آخر تحديث

سوريا الجديدة.. انتهاء زمن الخوف!

3
3
3

محمد بن عيسى الكنعان

سألت أحد السوريين المقيمين بالمملكة: ما أجمل شيء في سوريا اليوم؟ فقال بشكل سريع وولاء تلقائي ولغة عفوية: «في سوريا كل شيء جميل»، فقلت له لا أختلف معك، هذا بالمجمل، فهي حاضرة الأمويين، وجميلة في أهلها وأرضها، وعريقة بتاريخها وحضارتها، وسامية بقيمها وعادات شعبها، لكن ليس هذا ما قصدت! إنما ما الذي اختلف اليوم عن عهد بائد جثم على صدر سوريا قرابة 70 عامًا، وبعد ثورة شعبية امتدت 14 عامًا سقط خلالها آلاف الشهداء، وغاب في دهاليزها آلاف المفقودين والمعتقلين، وتم فيها تهجير الملايين إلى بقاع العالم.

الذي اختلف بين الأمس واليوم كبير جدًا، بين حكم الأسد (الأب والابن) وسوريا الجديدة، بين حكم الدولة البوليسية ودولة الوطن، بين ظلام البعث وأنوار المستقبل، الذي اختلف هو شعور الإنسان السوري اليوم، أو هو في الطمأنينة التي يستشعرها خلال تفاصيل حياته اليومية، هو في حركاته وكلماته بكل أمان نفسي، هذا الإنسان الذي يستحق الحياة الكريمة والدنيا المستقرة مثل كل شعوب الأرض الحرة. هذا الإنسان الذي دفع الغالي والنفيس لأجل سوريا، الذي حارب الاستعمار بصدور عارية لسنوات ليحظى بوطن حرّ يمثل الجميع، هذا الإنسان الذي أبهر العالم في علمه ومهنيته وحرفيته بالعمل، هذا الإنسان الأبي، اليوم يعيش لحظته التاريخية، ويبدأ مسيرته التنموية؛ فقد انتهى زمن الخوف، الذي زرعه نظام الأسد باسم البعث في كل زوايا مدن سوريا ومحافظاتها، وداخل مؤسساتها حتى تسرب إلى بيوت السوريين، فصار البعض يخاف من جاره وأخيه، وربما ابنه وزوجته.

والمفارقة في الواقع السوري أن المواطن طيلة حكم الأسد البغيض لم يكن يشعر بالأمن إلا من خلال الخوف، ولم يتحقق الأمن بين الناس إلا بنشر الخوف بينهم. أما اليوم فقد ذاق طعم الأمن الفعلي عندما انتهى زمن الخوف، لهذا تجد المشاهد العارمة التي تُعبر عن فرحة السوريين بانتصار ثورتهم، ومشاعرهم الصادقة وهم يستقبلون عهدًا جديدًا عنوانه: (حرية - وحدة - أمن - تنمية)، ويودعون عهدًا جائرًا كان شعاره: (حكم الأسد أو نحرق البلد). قصة نهاية زمن الخوف تبدأ مع أول خطوة لمواطن سوري عاد من المجهول بعد سنوات التهجير المريرة عند نزوله أرض مطار دمشق الدولي، فلم يعد يخاف من نظرات ضابط الجوازات، ولا من تفتيش مسؤول الجمارك، أو يتوقع مذكرة توقيف، فالوطن صار للجميع وليس للأسد الهارب وزبانيته.

والحال كذلك بالنسبة للإنسان العادي في مؤسسات الدولة، أو عند الحواجز الأمنية التي نُصبت مؤقتًا حتى تستقر سوريا بشكل كامل، أو في اللقاءات الإعلامية. إنها حالة من الطمأنينة والارتياح يعيشها الشعب السوري بدون خوف، حتى أن إحدى الفتيات السوريات كانت تبكي بعد دخولها مؤسسة حكومية فلم تكن تتوقع أن تعيش هذه اللحظة وتجد هذه المعاملة الراقية دون خوف أو قلق. وهذا أحد المشاهير متحدثًا عن حضوره مع وجهاء إحدى المحافظات للقاء الرئيس الشرع، رغم أنه يرى نفسه معارضًا له وينتقده.

نعم لقد انتهى زمن الخوف في سوريا بإذن الله، وجاءت نسائم الثورة تنشر عبير الحرية بين السوريين، وبدأت عجلات التنمية في كل أرجاء سوريا، فلا حرية مع الخوف، ولا تنمية إلا بالأمن. وصار المواطن السوري يتحدث، ويناقش، وينتقد، وربما يتظاهر كما حدث من بعض الأقليات دون أن يخاف أن تأتيه عناصر الأمن لتأخذه إلى فرع فلسطين، أو سجن صيدنايا. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد