: آخر تحديث

"مجتمع تافه".. بين مسؤولية الإعلام ومعركة المجتمع.!

2
2
2

قبل ثلاث سنوات، كتبتُ في هذه الزاوية مقالًا بعنوان (مجتمع تافه) حذرت فيه من خطر “عصر التفاهة” وصعوده السريع في فضائنا الرقمي والاجتماعي، وكيف أصبحت السطحية لا تقتصر على المحتوى بل امتدت إلى القيم والمعايير، واليوم، ونحن نراقب المشهد ذاته بعد أعوام قليلة، نكتشف أن ما كان حينها “مؤشّرًا مقلقًا” أصبح واقعًا يفرض نفسه بقوة أكبر، حتى تحوّل إلى ظاهرة تشغل الرأي العام السعودي والعالمي معًا.

ولكن يبقى السؤال حاضرًا: هل تُحل هذه الظاهرة عبر تدخل وزارة الإعلام كجهة رسمية تنظم المحتوى وتضع الضوابط؟ أم أن المسألة أعمق من أن تُدار بقرارات تنظيمية، كونها في جوهرها قضية مجتمعية وثقافية تتعلق بتوجهات الناس وذائقتهم؟

الحقيقة أن الظاهرة ليست محلية فقط، بل عالمية، ففي الولايات المتحدة مثلًا، أصبح صانعو المحتوى الترفيهي السطحي يتصدرون قوائم التأثير على حساب الإعلاميين والمفكرين، وفي كوريا الجنوبية، اضطرت الحكومة إلى سنّ تشريعات تحد من “ترندات التفاهة” بعد سلسلة من القضايا التي شغلت الرأي العام بلا قيمة حقيقية، أما في أوروبا، فقد لجأت دول كألمانيا وفرنسا إلى تطوير برامج تعليمية تستهدف الأطفال منذ المراحل المبكرة، لتعليمهم التفكير النقدي والتمييز بين المحتوى الهادف والمحتوى المضلل أو السطحي.

محليًا، لم نعد بعيدين عن هذه الموجة؛ فمؤخرًا شهدنا على منصة “X” سلسلة ترندات حول “طواهر في المجتمع السعودي”، والتي استهلكت نقاشات ضخمة بلا مردود حقيقي، بل أسهمت في تعزيز دائرة الاهتمام بالتفاهة وتكريس حضورها.

لكن مواجهة هذه الموجة لا تكون فقط بالدعوة لعدم متابعة “التافهين”، فالتجاهل وحده لا يكفي، المطلوب هو بناء وعي جمعي يقوده التعليم والإعلام معًا، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية لتقديم محتوى جاذب وهادف، إضافةً إلى تحفيز صناع المعرفة وإبرازهم في المنصات الكبرى.

نحن أمام معركة وعي حقيقية، لا تكفي فيها قرارات وزارية ولا حملات عابرة، بل تحتاج إلى شراكة شاملة بين الدولة والمجتمع، وإلى صناعة محتوى بديل قادر على منافسة “ضجيج التفاهة” بلغة الشباب وأساليبهم،

لان التفاهة ليست قدَرًا مكتوبًا، لكنها قد تصبح كذلك إن تركناها دون مواجهة واعية.!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد