خيرالله خيرالله
واضح أنّ الهجمة الإسرائيلية التي يقودها بنيامين نتنياهو تستهدف الضفّة الغربيّة قبل أي مكان آخر. ليس الكلام عن «إسرائيل الكبرى» سوى غطاء لرغبة اليمين الإسرائيلي في وضع اليد على القسم الأكبر من الضفّة الغربية بما يحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة في يوم من الأيّام.
الأكيد، في الوقت ذاته، أن لا عودة إلى حدود العام 1967 مع سوريا التي يبدو أنّها باتت تدرك، مع التغيير الكبير الذي حصل منذ فرار بشّار الأسد إلى موسكو، ضرورة الوصول إلى ترتيبات أمنيّة في الجولان وما يتجاوز الجولان وصولاً إلى الجنوب السوري كلّه.
تبدو تركة نظام آل الأسد كبيرة وثقيلة في ضوء تسليم الأسد الأب الجولان لإسرائيل في يونيو 1967.
فعل حافظ الأسد ذلك، حين كان لايزال وزيراً للدفاع، في سياق سلسلة من الخطوات المدروسة ضمنت حماية الدولة العبريّة للنظام العلوي ما يزيد على 54 عاماً. الآن بدأ المواطن العربي العادي يستوعب لماذا رفض حافظ وبشّار الأسد كلّ العروض التي كانت تسمح لهما باستعادة الجولان، كما فعلت مصر في ما يتعلّق بسيناء.
تستفيد إسرائيل في محاولتها ضمّ الجزء الأكبر من الضفّة الغربية من عوامل عدة. بين هذه العوامل الموقف الذي تتخذه إدارة دونالد ترامب الذي سبق أن وافق، في أثناء ولايته الأولى، على أن تكون القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل متجاهلاً احتلال الدولة العبريّة للقسم الشرقي من المدينة في حرب 1967.
ثمة عامل آخر، في غاية الأهمّية، يدعم الموقف الإسرائيلي. يتمثل هذا العامل في إصرار «حماس» على استمرار حرب غزّة التي يريد «بيبي» نتنياهو لها أن تستمرّ.
يريد «بيبي» للحرب أن تستمرّ خدمة لمصالحه الشخصيّة من جهة ولأنّ هذه الحرب، بما تمثله من مأساة إنسانية لا سابق لها في القرن الواحد والعشرين، تغطي على أحداث الضفّة الغربيّة بكل أبعادها.
يظهر واضحاً، من طريقة تعامل «حماس» مع ورقة الرهائن الإسرائيليّة، وجود رهان لدى الحركة على استمرار الحرب. تسير في هذا الاتجاه من منطلق أنّ الرهائن ورقتها الأخيرة والضمانة الوحيدة لوجود سياسي وأمني لها في غزّة مستقبلاً.
على خلفية حرب غزّة المستمرة، لابدّ من ملاحظة أنّ إسرائيل رفضت في كلّ وقت أي مفاوضات جدّية مع الأردن في شأن الضفّة الغربيّة التي كانت تحت سيادة المملكة الهاشميّة لدى وقوعها تحت الاحتلال في حرب الأيام الستة.
دعم الموقف الإسرائيلي قرار القمة العربية التي انعقدت في الرباط في العام 1974، وهي القمّة التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية «ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني». بعد قرار قمّة الرباط، صارت إسرائيل تعتبر الضفّة الغربية «أرضاً متنازعاً عليها» بينها وبين الفلسطينيين بعدما كان في استطاعة الأردن التفاوض من موقع قوّة من أجل استرجاع الأرض.
كانت قوّة الأردن تستند إلى احتلال إسرائيل لأرض كانت تحت سيادته ينطبق عليها القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن. يظلّ أهم ما في هذا القرار إشارته إلى صيغة «الأرض في مقابل السلام».
ينطبق هذا المبدأ على الأردن وليس على منظمة التحرير الفلسطينيّة التي لم تمتلك يوماً السيادة على الضفّة الغربيّة!
من يتابع تطور الاستيطان الإسرائيلي في الضفّة الغربيّة، منذ احتلالها في 1967، يستطيع ملاحظة مدى جدّية الرغبة التي تبديها السلطة المحتلّة في وضع اليد عليها.
يعكس هذه الجدّية تفكيك المستوطنات التي أقيمت في سيناء مع التوصل إلى معاهدة سلام مع مصر في العام 1979.
بعد ذلك، في صيف العام 2005، فككت إسرائيل كلّ المستوطنات التي أقامتها في قطاع غزّة تمهيداً للانسحاب الكامل منه.
كان الهدف الإسرائيلي، من وجهة نظر دوف فايسغلاس، مدير مكتب ارييل شارون، أنّ الانسحاب من غزّة تمهيد للانصراف إلى التركيز على الضفة الغربية والعمل على تكريس الاحتلال.
في مثل هذه الأيّام من العام 1993، كانت فرصة اتفاق أوسلو الذي تلته انسحابات إسرائيلية من مواقع معيّنة في الضفّة.
اجهض اليمين الإسرائيلي الفرصة بقتله اسحق رابين. كذلك، أجهضها عدم استيعاب الجانب الفلسطيني لأهمّية عامل الوقت وضرورة التوصّل إلى اتفاقات محددة مع إسرائيل ما دام إسحق رابين حيّا.
بدل الدخول في رهانات على أنّ إسرائيل ستنسحب من الضفة، مثلما انسحبت من جنوب لبنان بمجرّد تعرّضها لخسائر بشرية تتجاوز رقماً معيّناً، كان مفترضاً بياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، اعتماد خيارات أكثر واقعية في كلّ مراحل ما قبل اتفاق أوسلو وبعده وبعد اغتيال اسحق رابين... وصولاً إلى قمة كامب ديفيد التي جمعت صيف العام 2000 الرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك... و«أبو عمّار» نفسه.
ما يحدث حالياً هو تغيير في الإستراتيجية الإسرائيلية في كلّ مكان باستثناء الضفّة الغربيّة. تبدو الضفّة واحتلالها الثابت الدائم الوحيد في السياسة الإسرائيلية منذ العام 1967.
بدل ترك غزّة للغزاويين يتدبرون أمورهم بنفسهم، تنصرف إسرائيل إلى معالجة أوضاع القطاع على طريقتها التي تعني إزالته من الوجود.
كان هجوم «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023، نقطة التحول الأساسية في هذا المجال.
كذلك، كانت حرب غزّة مناسبة لعملية مراجعة للحسابات الإسرائيلية، إن بالنسبة إلى لبنان و«حزب الله» الذي يرفض الاعتراف بهزيمته... أو بالنسبة إلى النظام السوري الذي لم يدرك نهاية الضمانة الإسرائيليّة له بعدما تبيّن أن إسرائيل لا تستطيع السماح له بنقل أي أسلحة إيرانية متطورة إلى «حزب الله».
من يتصدّى لإسرائيل في الضفّة الغربيّة؟ ليس سرّاً أن الأردن في خط الدفاع الأول عن الخطة، كذلك، المملكة العربيّة السعودية، المصرّة على خيار الدولتين، ودولة الإمارات العربيّة المتحدة التي اعتبرت ضمّ الضفة «خطّا أحمر».
تراجعت إسرائيل موقتاً. هل من تراجع حقيقي لنتنياهو... أم العودة إلى الثابت الدائم المتمثل في إغراق الضفة بالمستوطنات وتحويلها إلى أرض طاردة لأهلها؟