خيرالله خيرالله
قبل فترة قصيرة، شنت الولايات المتحدة سلسلة من الغارات الجويّة على مواقع داخل اليمن. انتهت الحملة العسكريّة الأميركية بإعلان واشنطن عن توقف الهجمات الحوثية على سفن تعبر البحر الأحمر.
الواقع أنّ ما أعلنته الإدارة الأميركيّة لم يكن كلاماً دقيقاً، ذلك أنّ الحوثيين تابعوا هجماتهم على سفن تعبر الأحمر في طريقها إلى قناة السويس. تبيّن مع مرور الأيام أن الموقف الحوثي لايزال على حاله، إنْ بالنسبة إلى حركة الملاحة في البحر الأحمر، وإنْ بالنسبة إلى توجيه صواريخ إلى إسرائيل بين حين وآخر.
قبل أيام، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات تستهدف مواقع في صنعاء ومحيطها مركزة على البنية التحتية وعلى مقرات رسمية بينها المقرّ الرئاسي الذي كان يُعرف بـ«دار الرئاسة».
مرّة أخرى لن تقدّم هذه الضربات ولن تؤخّر ما دام الحوثيون، الذين ليسوا سوى أداة إيرانية، غير مهتمين سوى بالمحافظة على سيطرتهم على صنعاء ومناطق أخرى في شمال اليمن.
كلّ ما يهمّ الحوثيين، الذين سيتابعون توجيه صواريخ في اتجاه إسرائيل، هو البقاء في صنعاء التي يسيطرون عليها منذ 21 سبتمبر 2014، بغض النظر عمّا يحلّ بالمواطن اليمني الذي يعيش في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أّنّها بائسة.
لا هدف للحوثيين سوى خدمة المشروع الإيراني في المنطقة، تماماً كما يفعل «حزب الله» في لبنان. آخر همّ للحزب ما يحل بلبنان واللبنانيين، بمن في ذلك أبناء الطائفة الشيعية التي تمثّل البيئة الحاضنة للحزب.
تكشف التطورات التي يشهدها اليمن في الوقت الراهن، أنّه ليس في الإمكان تحقيق أيّ تغيير على الأرض عن طريق الضربات التي تشنها طائرات أميركيّة أو إسرائيليّة.
لا يعود ذلك إلى طبيعة الأرض في اليمن فحسب، بل يعود أيضاً إلى التغيير الذي استطاعت إيران خلقه في اليمن عن طريق الحوثيين الذين كانوا المستفيد الأوّل من الانقلاب الذي نفذه الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح في فبراير 2011 مستغلين موجة «الربيع العربي» الذي لم يكن في واقع الحال، كما أثبتت الأحداث من تونس إلى ليبيا... إلى اليمن نفسه، أنّه لم يكن سوى خريف بائس.
استطاعت إيران إيصال الحوثيين إلى التحكم بصنعاء مستفيدة قبل أي شيء من عملية إضعاف النظام الذي أقامه علي عبدالله صالح، وهو نظام صَمَدَ، بحسناته وسيئاته من 1978 إلى 2011.
يدفع اليمن حالياً ثمن الانقلاب الذي نفّذه الإخوان، عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح، بجناحيه المدني والعسكري، على علي عبدالله صالح. لم يكن الرئيس اليمني الراحل بطبيعة الحال ملاكاً لم يرتكب أخطاء، لكن ما لا بدّ من الاعتراف به أنّه كان أول من اكتشف طبيعة الحوثيين ابتداء من العام 2004.
اكتشف طبيعة الحوثيين علماً بأنّه لعب دوراً في إيجادهم بعد العام 1994 عن طريق تشجيع قيام حركة «الشباب المؤمن» في المناطق الزيدية من أجل مواجهة المد الإخواني والسلفي في شمال اليمن.
لم يدرك الرئيس الراحل الذي قتله الحوثيون في 2017 مدى خطورة الحوثيين وانتقالهم إلى الحضن الإيراني إلا بعد فوات الأوان.
في الواقع، ليس ما يدعو إلى فتح دفاتر الماضي والعلاقة المعقدة بين علي عبدالله صالح والحوثيين والحروب الست التي خاضها معهم بين 2004 و2010.
المطروح الآن هل في الإمكان التخلص من الظاهرة الحوثيّة في اليمن؟ الجواب في غاية البساطة. توجد حاجة إلى هزيمة للحوثيين على الأرض اليمنية بيد يمنية. ويكون ذلك باستعادة «الشرعيّة»، ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي الذي على رأسه الدكتور رشاد العليمي، للحديدة أو صنعاء أو المدينتين معاً.
تمتلك «الشرعيّة» ما قد يمكنها من استعادة المبادرة عسكرياً في حال توافر شروط معيّنة من بينها التماسك بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي والتنسيق في ما بين هؤلاء بعيداً عن الحسابات الفردية...
أثبتت التطورات أنّ الحوثيين يرفضون الانخراط في أي تسوية سياسيّة في اليمن. يرفضون أي شريك في السلطة، علما أنّهم لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري يتعلّق بالتعليم مثلاً، ولا يريدون أصلاً أن تكون هناك مدارس في اليمن.
كلّ ما يريدونه يتمثل في إرضاء إيران. بالنسبة إلى الحوثيين، يجب على المراهق اليمني الخضوع لدورة غسل للدماغ، تجعله يؤمن بكلّ أنواع الإيمان بشعار «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».
بكلام أوضح، على الشعب اليمني أن يقتات من الشعارات، وأن يكون أداة طيّعة لدى إيران...
في المقابل، توجد «شرعيّة» في حاجة إلى إثبات وجودها من جهة وأخذ المبادرة عسكرياً من جهة أخرى. فوق ذلك كلّه، توجد حاجة إلى دعم إقليمي أكبر لـ«الشرعيّة» وإلى من يلعب دوراً قيادياً داخل قيادة سياسية وعسكريّة يمنية مازالت تدور على نفسها.
متى يتحقّق اختراق على الأرض، يصبح في الإمكان الحديث عن تغيير في اليمن. في غياب مثل هذا الاختراق، سيبقى الحوثيون يمارسون الدور المطلوب منهم، دور الأداة الإيرانيّة لا أكثر.
سيستمر الحوثيون في إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل وفي مهاجمة سفن تعبر البحر الأحمر كي تؤكد «الجمهوريّة الإسلاميّة» أنّه لاتزال لديها أوراقها في المنطقة وأن على الولايات المتحدة أن تأخذ ذلك في الاعتبار.
يدفع الشعب اليمني المسكين ثمن هذه اللعبة الإيرانيّة، التي لا طائل منها، فيما يبقى مصير بلد بكامله في مهبّ الريح في غياب «شرعيّة» مازالت تبحث عن دور... وعن دور إقليمي أكثر فعاليّة. متى خلاص اليمن؟! متى المعركة التي تحسم الوضع على أرض اليمن وليس في أي مكان آخر؟!