: آخر تحديث

عواصف ترامب

3
3
2

جمال الكشكي

لا أقول حبس العالم أنفاسه في هذه الليلة، لكن من المؤكد أنه كانت هناك حالة ترقب وقلق وحذر ليلة المؤتمر الصحافي، الذي شهده البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. رسائل المؤتمر لا تناسب لحظة البحث عن السلام كخيار استراتيجي للشعوب، بل جاءت مثل عواصف تحمل غباراً سياسياً ربما يحجب الرؤية.

أتوقف أمام اقتراحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة إلى مصر والأردن، فهي تؤكد أن شرايين السياسة الأمريكية مغلقة، وتعاني من انسداد أفق، وعدم وجود مفكرين استراتيجيين من قماشة هنري كيسنجر أو بريجينسكي، ولا زعماء أمثال جون كينيدي، أو كارتر أو كلينتون، أو حتى بوش الأب، فجميعهم قدموا تصورات للحل في القضية الفلسطينية، وإن كانت غير مرضية، لكنها كانت نوعاً من الحل.

أما الآن، فيعتقد الرئيس دونالد ترامب، أنه يمكن أن ننسف ونمزق قرارات دولية، بعضها يتخذ صفة الشرعية الدولية، كونها صادرة عن مجلس الأمن الدولي، منذ ثمانين عاماً، وبعضها تم التوقيع عليه ثنائياً، كالاتفاقيات التي جرت بين كل من العرب وإسرائيل.

كان من المفترض أن نراكم على هذه الاتفاقيات، ونصل إلى حل جذري، يقوم على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في دولة مستقلة، والقاصي والداني يعلم أنه من دون حل هذه القضية، لن يكون هناك أي استقرار، سواء على مستوى الإقليم، أم على مستوى العالم.

جرب المجتمع الدولي ذلك عملياً في سلسلة الحروب الأخيرة، التي بدأت بعد السابع من أكتوبر عام 2023، وشملت الأراضي الفلسطينية، ولا تزال، ولبنان وسوريا، والعراق واليمن وإيران، وجذبت إلى المنطقة كل القوى الدولية، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا وألمانيا، وفرنسا، وبعض قواعد حلف الناتو، وقد صار الشرق الأوسط مسرحاً لتجريب شتى أنواع الأسلحة.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الاقتصاد تضرر بشدة لكل الدول العربية، وتضررت عوامل الاستقرار، وتكاد الفوضى تطل برأسها مرة أخرى، والبعض يحاول أن يستعيد زمن ما قبل عشر سنوات.

الحقيقة هنا، أن الرئيس ترامب تم التعويل عليه، حسب خطاباته أثناء حملته الرئاسية، بأنه سيكون رجل سلام، وأنه سيوقف الحروب، لكنه جاء الآن لا ليوقف الحرب، بل ليجعل الخرائط تصطدم ببعضها بعضاً.

وقد لفت نظري أن الرئيس ترامب صرح للمرة الثانية، أو الثالثة، بأن مساحة إسرائيل صغيرة، وقد قال يوم الإثنين الماضي، الثالث من فبراير عام 2025، بأن إسرائيل تشبه القلم الصغير الموضوع على المائدة الكبيرة، والمائدة التي يعنيها هنا هي خريطة الشرق الأوسط، بينما القلم هو إسرائيل.

قال ذلك رداً على سؤال حول فكرة تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وإعطائها لإسرائيل، فقد جاء جوابه بهذا الشكل، الذي يؤكد أن الرجل لا يزال يفكر بطريقة الصفقات، بينما يعلم المجتمع الدولي أن القضية الفلسطينية بتشابكاتها، وتعقيداتها الدينية، والثقافية والتاريخية، لا تحل بمجرد نقل سكان من أماكنهم الأصلية.

لا سيما أن الفلسطينيين تعرضوا لظلم تاريخي، يعود إلى ثمانين عاماً، عندما قيل لهم عام 1948، أثناء النكبة، إنكم ستخرجون مؤقتاً، وستعودون حالما تتوقف الحرب، لكنهم خرجوا إلى المنافي، ومناطق اللجوء من دون أن يعودوا قط، ولا تزال المخيمات في لبنان وسوريا والأردن وغيرها، تكتظ بهؤلاء اللاجئين، برغم صدور القرار الدولي 194، الذي دعا إلى عودة اللاجئين إلى بلادهم الأصلية، وقراهم في فلسطين.

لكن إسرائيل بقوة الأمر الواقع، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، حالت دون تحقيق ذلك، كما حالت دون تنفيذ القرارات الدولية الأخرى.

إن التصورات والاقتراحات المتتالية للرئيس ترامب، منذ تنصيبه، تقود النظام العالمي إلى ارتباك، واضطرابات، ربما لا تنجو منهما أي قوة عالمية، وفي القلب منها واشنطن، عاصمة القرار الأمريكي، فمن يقرأ ويتأمل قرارات الرئيس الأمريكي، يجد نفسه أمام معضلة سياسية غير مسبوقة في العلاقات الدولية، فقد بدأ بالتصادم مع كل الخرائط، بدءاً من كندا والمكسيك، وجرينلاند، وقناة بنما في أمريكا الشمالية والوسطى.

أيضاً امتد الصدام إلى الحليف الرئيسي، وهي أوروبا، عندما فرض عليها رسوماً وضرائب، وهدد برفع الحماية عنها، ومحاولة حل القضية الروسية - الأوكرانية، من دون اعتبار لمصالحهما الاستراتيجية، مما دعا الدول التي يناهض مساراتها الاقتصادية والسياسية، إلى أن ترد بالمثل، مما يجعل العالم يقف على حافة الفوضى، بل الانفجار، لا سيما أن ترامب، بهذه السياسة، يتجاهل اتفاقيات التجارة الحرة، ويتجاهل الاتفاقية الثنائية، بين بلاده والبلاد الأخرى، مما يعني أنه يعيد كتابة شكل جديد في العلاقات الدولية، ربما يؤدى هذا الشكل إلى اهتزازات وزلازل في النظام العالمي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد