أحتفظ بذاكرتي بمئات الطرائف أو النكت، سياسية واجتماعية وغيرها، هذا بخلاف ما مررت به شخصيا من أحداث ومواقف طريفة، نشرت بعضا منها في مقالات عدة.
يمتاز المجتمع الغربي بظاهرة الـStanding Comedian، حيث يقف شخص موهوب على المسرح، ويقوم بسرد النكت على الجمهور، وغالبا ما يتفاعل معه، ويخلقون معا شعورا رائعا بالسعادة والإلفة.
يحقق بعض هؤلاء الكوميديون ثروات كبيرة، حيث يبلغ دخل أكثرهم غنى قرابة 70 مليون دولار سنويا، من خلال إقامة عشرات العروض في العام الواحد، وأشهر هؤلاء، من الراحلين، جورج كارلن وريتشارد بويور، ومن تقاعدوا بعد أن حققوا مئات ملايين الدولارات، جون لينو، وجيري سينفيلد، وإيدي ميرفي وغيرهم الكثير.
يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي إن للحس الفكاهي أهمية كبيرة، ولم يكن غريبا بالتالي اشتراك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا لدراسة موضوع «الفكاهة»، حيث قام الفيلسوف الشهير دانيال دينيت، وزميلاه ماثيو هيرلي ورينالد آدمز، بإصدار كتاب بعنوان «في جوف النكتة»، وبعنوان فرعي يقول «الفكاهة تعكس هندسة العقل»، وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا، والكتاب مترجم إلى اللغة العربية بمقدمة ضافية للمترجم قيس قاسم العجرش، وقد نشرته دار سطور، ويقول مؤلفوه، في مقدمته: إن الفكاهة تشكِّل جانبًا حيوياً ومصدرًا غنياً يعزز فكرتنا عن مشهد الميكانزمات، أو الآليات الناعمة العاملة داخل أدمغتنا. ويضيف: كلما مر الزمن سنكتشف أن الفكاهة كشفت عن ديمومتها وأنها يمكن أن تسلك مسالك جديدة ومفاهيم محدَّثة لتفعل فعلها وتؤثِّر!
إن الحس الفكاهي قيمة إنسانية رفيعة، فهو من علامات الذكاء، كما أنه مريح ومبهج، لذلك يرى شارلي شابلن بأن أسوأ الأيام هو اليوم الذي يمر من دون ضحك. والمبهج أن من يتابع شبكة التواصل الاجتماعي سوف يلاحظ أن حس الدعابة مرتفع بشكل واضح لدى السعوديين، وهذا له دلالة مبهجة، فالضحك مزية إنسانية، بل إن البعض يعتقد أن الضحك من أبرز ما يتميز به الإنسان، لذلك قيل: الإنسان هو الكائن الضاحك. كما أن القدرة على اضحاك الآخرين والقدرة على الاستجابة التلقائية للنكتة هي من دلالات الذكاء، فالحس الفكاهي من أروع تجليات التفاعل الإنساني، ونلاحظ أن كليل الذهن قد يسمع النكتة فلا يلتقط المغزى، بينما الأذكياء يلتقطون المعنى قبل أن يكمل المتحدث، فيغرقون في الضحك، الذي هو بقدر ما هو من دلالات الذكاء فإنه من مباهج الحياة. فالناس تتعطش للمضحك والمسلي والمريح، لذلك يحرص الناس على حضور المسرح الكوميدي، كما أن الشخص المعروف بالحس الفكاهي يكون محبوبا ويحرص عارفوه على مصاحبته. ولأهمية الضحك في الحياة البشرية، فقد اهتمت به الفلسفة والأدب والعلم. وبلغ من أهمية الضحك أنه صار موضوعا لعلم قائم بذاته، هو «علم الضحك»، كما أن للفيلسوف الفرنسي الشهير هنري برجسون كتاباً عن «الضحك».
اهتم علم النفس بالضحك كعلاج للتعاسات الإنسانية، وكما يقول الدكتور دانيال سيغل: إن العالم يضج بالآلام النفسية، لذلك اهتم الطبيب النفسي الشهير باتش آدمز بتوظيف الحس الفكاهي والضحك من أجل إسعاد الناس أو على الأقل تقليل التعاسة في حياتهم، ويأتي كتاب «علم الضحك»، تأليف ستيفاني ديفيس، ضمن هذا الاتجاه، وهي تؤكد بأن «الدعابة مهارة معرفية»، تنمو بمقدار انفتاح البيئة وتنوع المعارف ومرونة التعامل.
تندرج تحت الحس الفكاهي مفاهيم عديدة، مثل الضحك والسخرية والتهكم والابتسام والبهجة، وغير ذلك من الانفعالات التلقائية، والأدب الساخر أصبح اليوم من أبرز فنون الأدب، لذلك نجد دراسات مفصلة عن الأدباء الظرفاء المشهورين بالحس الفكاهي.
أحمد الصراف