عماد الدين حسين
قبل شهور كتبت في هذا المكان متوقعاً أن تسعى إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومعها بعض الدول الأوروبية إلى التصعيد ضد روسيا في أوكرانيا، تحسباً لفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، حتى تفخخ له الأوضاع، وبالتالي لا يكون قادراً على تنفيذ وعده الانتخابي الأبرز وهو وقف الحرب في أوكرانيا، ظناً أن روسيا ستكون المستفيد الأبرز من وقف الحرب بدلاً من الصيغة الحالية أي استنزافها. ومن الواضح الآن أن إدارة بايدن وحلف الناتو يبدلان كل الجهود لتفخيخ أوكرانيا كي تنفجر في وجه ترامب بمجرد توليه السلطة رسمياً في 20 يناير المقبل.
غالبية التطورات على الجبهة الأوكرانية الروسية تؤيد هذا الاحتمال.
رأينا الرئيس الأمريكي بايدن يزود أوكرانيا بصواريخ الآتاكمز متوسطة المدى القادرة على ضرب أهداف حيوية في روسيا قبل شهور، ولم يعطِ الإذن باستخدامها إلا بعد أيام قليلة من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 6 نوفمبر الماضي. بايدن أيضاً سمح لبريطانيا أن تزود أوكرانيا بصواريخ «ستورم شادو»، ولفرنسا أن تزودها بصواريخ «سكالب»، وهي صواريخ ذات مدى يتجاوز 250 كيلومتراً، وتحسن من الأداء الأوكراني المتراجع عسكرياً.
وقبل أيام قليلة وافق البيت الأبيض على تعزيز الدعم العسكري وتزويد أوكرانيا بألغام أرضية مضادة للأفراد، وعلى الصعيد المالي وافق البيت الأبيض على شطب 5 مليارات من ديون أوكرانيا وكذلك سرعة إنفاق آخر 9 مليارات دولار من الأموال التي خصصها الكونغرس لدعم أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية انتوني بلينكن: «بايدن تعهد بصرف كل دولار تحت تصرفه لأوكرانيا من الآن وحتى 20 يناير المقبل». ليس بعيداً عن ذلك أيضاً استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وآخرها كان بنكاً روسياً بتهمة بيع الغاز. ولا ننسى أيضاً استمرار صرف عائد الودائع الروسية المجمدة في البنوك الغربية للإنفاق على تمويل المجهود الحربى الأوكراني.
هذا ما تفعله إدارة بايدن، ومن الواضح أن الأمر لا يحتاج لمزيد من التحليل، حيث إن رجال ترامب فهموا الرسالة بوضوح، ورأينا مايكل والتز المرشح ليكون مستشاراً للأمن القومى، عارض قرار استخدام صواريخ الآتاكمز قائلاً في تصريح لقناة فوكس نيوز: «هذه خطورة أخرى على سلم التصعيد ولا أحد يعرف إلى أين يتجه هذا الأمر». رجل الأعمال ايلون ماسك والذي سماه ترامب ليقود وزارة الكفاءة الحكومية، أبدى مخاوفه من خطوة الآتاكمز قائلاً: «المشكلة أن روسيا سوف ترد بالمثل».
دونالد ترامب الابن اتهم مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية بالسعي لإشعال الحرب العالمية الثالثة ضد روسيا، وهو نفس المعنى الذي أكده مارجوري تايلر، عضو مجلس النواب الجمهوري، الذي فهم قرار بايدن علي أنه محاولة لافتعال حرب عالمية ثالثة، في حين أن الشعب الأمريكي لا يريد تمويل الحروب الخارجية، بل يريد حل مشكلاته فقط.
نفس الفكرة كررها روبرت كينيدي جونيور، المرشح الجمهوري الذي انسحب من سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمصلحة ترامب، مؤكداً أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يعلم أنه لا يستطيع الانتصار العسكري، لذلك يقوم بأفعال متهورة تهدف لجر حلف الناتو إلى الحرب العالمية.. ونحن لن نسمح له بذلك.
ترامب لم يعلق على كل هذه التطورات شخصياً، لكن ستيفين تشونغ، مدير اتصالات فريقه الانتقالي قال: الرئيس المنتخب هو القادر على دفع طرفي الصراع إلى المفاوضات، لكنه رفض الرد بوضوح على استخدام صواريخ الآتاكمز الأمريكية ضد روسيا. ليس صدفة أن يأتي كل هذا التصعيد قبل أسابيع قليلة من دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
الرئيس المنتخب سيجد نفسه أمام تحدى التعامل مع تصعيد كبير، وطبقاً للعديد من المراقبين والمحللين فإن هذا التحدي قد يدفعه إلى الذهاب إلى خيارات أكثر انسجاماً مع ما سبق أن عمل الديمقراطيون علي ترسيخه منذ اندلاع الصراع.
إدارة بايدن لا يمكن استبعاد أنها تفكر في الانتقام من فوز ترامب بإغراقه في هذا الصراع، وفتح كل جبهات الصراع المحتملة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وبالتالي سيجد ترامب نفسه في حقول ألغام متعددة، مما يفشل تعهده بإيقاف كل الحروب، بل هناك من يرى مثلاً في الدعم المطلق من إدارة بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، محاولة لاستفزاز إيران وجرها إلى مواجهة أوسع تشعل كل المنطقة، وبالتالي اختبار مدى قدرة ترامب على تنفيذ تعهده.
لكن هناك منطق آخر يرى أن ترامب قد يستفيد من تصعيد إدارة بايدن، لأن أوكرانيا القوية ميدانياً يمكن استخدامها في تسوية يكون ترامب قادراً على تسويقها باعتبارها انتصاراً غربياً حتى لو كان ناقصاً.
السؤال: كيف سيوقف ترامب هذه الحرب التي يعتقد البعض أنها مهددة بالانزلاق إلى حرب عالمية نووية؟
ترامب شخصياً تحدث عن إيقاف الحرب، لكنه لم يتحدث عن خطة مفصلة لكيفية التسوية، في حين أن نائبه جي دي فانس وضع خطة تسمح لروسيا بالاحتفاظ بمعظم الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها. ونعلم أن روسيا تسيطر الآن على خمس مساحة أوكرانيا، في حين أن أوكرانيا تمكنت في أغسطس الماضي من السيطرة على 1376 كيلومتراً مربعاً في إقليم كورسك الروسي، لكن الهجمات الروسية أفقدتها 40 % من هذه المساحة.
والسؤال: هل تتطور المعارك مع استخدام الأسلحة الخطيرة وآخرها الصاروخ الروسي الفرط صوتي «أوريشينك» إلى وضع لا يمكن لترامب أن ينفذ فيه تعهده بوقف الحرب؟! سوف ننتظر ونرى.