أول كتاب مطبوع كان لتقرير محمد البهي «المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام» أثر كبير فيه، هو كتاب «المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي»، لإبراهيم خالد أحمد، والذي صدر عام 1964.
هذا الكتاب صاحبه قس ومبشر بروتستانتي مصري، أشهر إسلامه عام 1959.
هذا الكتاب قبل نشره خضع لفحص رقابي في وزارة الأوقاف المصرية للتأكد من صلاحيته للنشر وفق المعايير الرقابية الدينية في عهد جمال عبد الناصر. فكتب الشيخ محمد الغزالي، مراقب عام الإدارة العامة للدعوة في هذه الوزارة، تقريراً قال فيه: «نفيد بأنني قرأت هذا البحث، وأرى أنه عظيم النفع، ويجب أن يطلع عليه المشتغلون بالدعوة الإسلامية ليروا صورة دقيقة من جهود خصوم الإسلام للتسلل منه وتعويق سيرهم. والمؤلف أحق من يعطينا هذه المعلومات، فقد كان أحد العاملين في هذا الميدان. فلما شرح الله صدره للحق تقرّب إلى الله بهذه الكتابة التي ألقت ضوءاً على ما يراد بنا. وأماطت اللثام عما يدور في المعسكر الآخر. وظاهر من طبيعة البحث الذي بين أيدينا أنه سهل العرض بعيد عن التكلف موسوم بالإخلاص حافل بالحقائق».
المؤلف قبل فسح نشر كتابه هذا بشهرين صدرت طبعة ثانية منقحة من كتابه «محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن»، أهدى نسخة منه لمدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر للشؤون العامة، حسن صبري الخولي. ورسالة الشكر التي وجّهها الأخير للمؤلف، والمنشورة في أول صفحة من كتابه «المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي»، مطبوعة على ورق رسمي من مكتب الرئيس للشؤون العامة.
لفت نظري في الكتاب مقدمة لجزء منه، كان عنوانه «السياسة العامة للتبشير والاستشراق»، قال فيها:
«سلك المبشرون والمستشرقون كل مسلك ظنّوه محققاً لأهدافهم واستطاعوا أن يتسللوا إلى المجمع اللغوي بمصر، والمجمع العلمي بدمشق، والمجمع العلمي ببغداد، كما تدخلوا – بـتأييد الاستعمار – في مجال التربية والتعليم محاولين غرس مبادئ التربية الغربية في نفوس المسلمين، ونجحوا في هذا إلى حد كبير، حتى إن أولياء العهد لملوك المسلمين كانوا يقصدون إنجلترا للدراسة والعلم...».
المثال الأول اختاره لمعاداة جمال عبد الناصر للنظام السياسي السابق في مصر. والمثال الثاني والمثال الثالث أتَى بهما لمعاداة جمال عبد الناصر للهاشميين في العراق وفي الأردن.
في أمثلته التي اختارها كان دافعه في هذا الاختيار تملق جمال عبد الناصر في عداوته السياسية، إلا أنها تحمل في طياتها تحذيراً من مخاطر دراسة المسلمين عموماً في الغرب من قبل رجل هو – من جهة – ربيب الإرسالية الأميركية، ومسلم جديد وإسلامي ناشئ من جهة ثانية.
محمد البهي في تقريره صنّف المستشرقين صنفين: مستشرقين معاصرين، ومستشرقين خطرين. وهو أول من اعتبر اللبناني فيليب حتي والعراقي مجيد خدوري والمصري عزيز سوريال عطية من المستشرقين، ومن المستشرقين الخطرين!
وما يجمع هؤلاء الثلاثة أنَّهم من أبناء الديانة المسيحية في المشرق العربي. فالمعيار الذي على أساسه اعتبرهم مستشرقين أنهم ديانةً مثل كثير من المستشرقين مسيحيون.
ومع أنَّ تقرير البهي وضع مجيد خدوري في قائمة الخطرين من المستشرقين، فإنَّه لسبب أجهله أفلت ونجا من محرقة الإسلاميين الفكرية التي كان ضحيتها الأكبر – تبعاً لهذا التصنيف – فيليب حتي. نجا رغم أنَّ البهي في تعريفه التحريضي به قال عنه: «متعصب حقود على الإسلام وأبنائه، ومن كتبه المشحونة بالطعون والأخطاء (الحرب والسلام في الإسلام)، صدر في سنة 1955».
كتاب مجيد خدوري «الحرب والسلام في الشريعة الإسلامية أو القانون الإسلامي» كان من مراجع الرسالة التي حصل بها الفقيه السوري وهبة الزحيلي على شهادة الدكتوراه في القانون والشريعة الإسلامية من جامعة القاهرة، وطبعها في كتاب في أول عام 1963 تحت عنوان «آثار الحرب في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة».
في رسالته رد وهبة الزحيلي على ما قاله مجيد خدوري في كتابه المشار إلى اسمه آنفاً من أنَّ فريضة الجهاد في الإسلام حروب مستمرة على غير المسلمين. الكتاب الذي طُبعت الرسالة فيه، وتعددت طبعاته، هو كتاب مرجعي في موضوعه، وكتاب معروف عند جمع من الإسلاميين.
الإسلامي السعودي عبد الحميد أبو سليمان في رسالته «النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية» التي حصل بها على درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا عام 1973، عني بالرد على رأي خدوري السالف. وبالمصادفة المحضة أنه في العام نفسه تُرجم كتاب خدوري إلى العربية بعنوان «الحرب والسلم في شرعة الإسلام».
وفي عام 1979، صدر كتابه «بحوث في الثقافة الإسلامية». وقد تضمَّن هذا الكتاب مراجعة نقدية لكتاب خدوري عن الحرب والسلام في الشريعة الإسلامية كتبها نورمان دانيال عام 1958، تحت عنوان «الجهاد في الإسلام والمسيحية». وتضمن مقالاً لخدوري عنوانه «الجهاد الأكبر في الإسلام». «الدار المتحدة للنشر» في بيروت التي نشرت كتابَي خدوري كانت منذ إنشائها في أول عام 1972، مهتمة بنشر مؤلفات خدوري. ومما يجدر ذكره أنَّ ناصر البريك ترجم رسالة عبد الحميد أبو سليمان إلى العربية عام 1993 وعلَّق عليها. وللحديث بقية.