شهدت الأيام الماضية تبارزاً أطرافه الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وتوزعت تفاصيله بين حدثين مهمين هما قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي انعقدت في واشنطن، والمنتدى البرلماني العاشر للدول الأعضاء في «بريكس» الذي استضافته مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.
ورغم اختلاف الغايات المباشرة في كلٍ من الحدثين والتفاصيل المعدة للنقاش، إلا أنهما التقيا في كثير من المساحات وتوالت منهما رسائل القوى الثلاث وغيرها من الدول الحاضرة. هذه الرسائل تمثل استمراراً للصراع المحتدم حول شكل النظام العالمي الذي تؤمن جميع الأطراف بأنه يتشكّل، وإن اختلفت على طبيعته ودرجات تأثير كل منها فيه.
كان من الطبيعي أن تكون أوكرانيا، بتفاصيل أزمتها الممتدة ورئيسها فولوديمير زيلينسكي حاضرة بقوة في قمة «الناتو»، فهي القضية التي تتصدر دوائر الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا، وبدرجة أقل الصين، من جهة ثانية، أو يمكن القول إنها الميدان الأبرز لصراع القوى الكبرى.
وبعيداً عن هفوة الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يقدم نظيره خلال قمّة «الناتو» بوصفه «الرئيس بوتين»، فإن ظل الزعيم الروسي لم يغب، وما غابت الصين أيضاً باعتبارها حليفه الأقرب، والعدو الآخر للولايات المتحدة.
استمرار الحلف في دعم أوكرانيا عسكرياً، وتجديد الوعد بأن انضمامها إليه أمر مفروغ منه رد عليهما بوتين من على منصة المنتدى البرلماني العاشر للدول الأعضاء في «بريكس»، وإن بشكل غير مباشر، مكرراً إيمانه بأن الغرب يستخدم القوة والابتزاز للحفاظ على موقعه المهيمن في العالم، وأنه يتعامل مع كل موقف تبعاً لمصالحه التي تتقيد بتقاليد الاستعمار.
وفي إصرار على استثمار كل مناسبة للترويج لفكرة الحاجة الملحّة إلى نظام عالمي جديد، كرر أن مثل هذه التصرفات تسعى جاهدة لتثبيت نظام معين وفق قواعد أصحابها فقط ومصالحها في محاولة واضحة لاستبدال اللجوء إلى القوة والعقوبات الأحادية والابتزاز بالقانون الدولي الشرعي.
البادي أن كل فريق ماضٍ في طريقه: «الناتو» مستمر في مواجهة روسيا من ساحة أوكرانيا، ويحذر الصين من أي دعم مباشر لموسكو، وروسيا، مدعومة من بكين، تواصل تقوية التكتلات التي تراهن على دورها في خلق توازن النظام العالمي من خلال إعادة إقرار مبادئ العدالة والمساواة ومراعاة المصالح المشتركة بين كل أقاليم العالم.
ينطبق ذلك على منظمة شنغهاي للتعاون التي اجتمع أعضاؤها، وأبرزهم روسيا والصين، أخيراً في كازاخستان من دون أن يغيب الحديث عن شكل النظام العالمي الجديد والتبشير بتغييرات عميقة اقتصادية وسياسية تفضي إليه.
والأمر نفسه يصح على «بريكس» التي ذكر بوتين في أحدث أنشطتها أنها تعكس مصالح دول الجنوب والشرق العالميين، وأن مؤيديها في تزايد، وأن قوتها تتعزز في العالم بالعمل المستمر في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والمالية والعلاقات الثقافية والإنسانية.
لا أحد يعلم عواقب هذا السباق، لكن وصوله إلى صراع مباشر بين «الناتو» وروسيا غير مستبعد.