ضاقت خرائط السودان بالأوضاع التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من عام 2023.
هذه الحرب لم تستأذن في الدخول، ولا توجد أي إشارات لنهايتها في المدى القريب. السودان لا يستحق الدخول في هاوية الكوارث. هذا البلد الحضاري الثقافي الذي كان يمثل سلة غذاء العالم، فقد بوصلة استقراره.
انهار اقتصاد البلاد، غاب اليقين عن المستقبل. دخل السودان دائرة الخطر الوجودي. ثمة مخاوف من كابوس التقسيم والتمزيق، واختفاء السودان كدولة على ضفاف هذه الحرب، يقف أكثر من مئة تنظيم مسلح في انتظار اللحظة المناسبة لملء فراغ منتظر، والانتقال بالسودان من مربع الدولة، إلى مربع الساحة.
لا أفق حتى الآن في الوصول إلى وقف إطلاق النار. كرة اللهب تتضخم يوماً بعد الآخر.
انتقلت من العاصمة الخرطوم إلى الأطراف في الجنوب والشرق والغرب.
اللحظة صعبة بل كارثية، المساحة التي وصل إليها السودان في ظل هذه الحرب، تقول: إن القادم أسوأ، إن لم تسبق الحكمة والرشادة أهواء الساسة، والمصالح الضيقة، فلا شك أن انهيار السودان سيؤثر سلباً على محيطه بالكامل، بحكم الجغرافيا، سواء بدول الجوار العربي أم الأفريقي. التوقيت ليس في صالح الشعب السوداني، فلن ينجو أحد منفرداً، الجميع كاسب أو الجميع خاسر.
تابعنا الأسبوع الماضي مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية، الذي استضافته القاهرة، تحت عنوان «معاً لوقف الحرب»، جاءت رسائل المؤتمر واضحة وقاطعة، القاهرة قالت كلمتها، وأكدت مخاوفها على السودان الدولة والشعب، ووصفت ما يجري في السودان بالكارثة التي لابد أن تتوقف، حماية من الأخطار الوجودية التي تلاحق الدولة الوطنية السودانية.
الرسالة هنا واضحة، لكن علينا إدراك أن مفتاح الحل يمتلكه السودانيون أنفسهم، وأن تكون مبادرة وقف القتال سودانية خالصة، بدعم من الشركاء الإقليميين والدوليين، وأن إنقاذ السودان يحتاج إلى تكاتف ودعم كاملين وغير منقوصين من جميع القوى السياسية المتعددة، واستكمال واستئناف الحوارات التي دارت من قبل بين الأطراف السودانية، سواء في الداخل السوداني، أم في الخارج.
إذن، وسط هذه الكارثة، وفي ظل غياب الأفق، وتلاشي اليقين داخل السودان، فإنني أرى ضرورة التحرك نحو خطوات واضحة لوضع حد ونهاية لهذه الحرب التي باتت تعصف بمستقبل السودان.
هذه الخطوات تتمثل في أهمية إسكات البنادق، عبر مبادرة سلام سودانية خالصة، وإجراء حوار وطني بين مختلف التيارات السودانية دون إقصاء لأحد، وعدم السماح بالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد، وتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى منازلهم، وفتح مسارات للإغاثة الإنسانية، تمهيداً لعودة المؤسسات السودانية التي تصدعت منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل عام 2023.
في النهاية، لم تعد لدى السودان رفاهية الانتظار ومواصلة الحرب، فمع كل طلعة شمس يرتفع منسوب الخسائر، وتزداد مساحة التحديات داخلياً وخارجياً وتصبح البلاد لوحة تنشين وهدفاً أمام قوى خارجية تعمل على تقسيم البلاد.
وإذكاء مساحات الفراغ، فضلاً عن أن هناك أخطاراً كبرى من التنظيمات الإرهابية التي باتت رابضة، في انتظار القفز والانقضاض على الدولة الوطنية السودانية. البلاد لا يمكنها عبور هذه المحنة من دون التفاف جميع القوى السودانية حول مشروع الوطن والدولة، والإيمان الكامل بوحدة المسار والمصير، فكل يوم يمضي في ظل هذه الحرب يخسر السودان من رصيده في بنوك المستقبل والاستقرار.