أقل من 15 ساعة من إغلاق 40 ألف مركز اقتراع في المملكة المتحدة، وكان ريشي سوناك، رئيس حكومة المحافظين التي خسرت الانتخابات، يقدم استقالة حكومته للملك، ليصبح تشارلز الثالث، دستورياً، الرئيس الفعلي التنفيذي للحكومة إذا كان هناك قرار خطير كحرب أو أزمة طارئة في نصف الساعة الخالية التي استغرقت وصول الزعيم العمالي السير كير ستارمر للقصر ليُكلف بتشكيل حكومة جديدة.
تُشكل المناصب الحكومية الأساسية، قبل أن ينتقل ستارمر، الذي أصبح رئيس الوزراء الـ58 للبلاد، وأسرته، من مسكنهم في شمال لندن إلى رقم 10 داوننغ ستريت؛ فمعظم الوزارات الكبرى شغلها الساسة أنفسهم الذين كانوا في حكومة الظل عندما كان العمال في المعارضة.
تغيّرت الحكومة في نصف يوم، بلا حادثة شغب، أو القبض على شخص في مخالفة تتعلق بالانتخابات؛ وبالمقارنة، أجريت انتخابات هولندا منذ سبعة أشهر ونصف الشهر، ولم تتشكل حكومتها إلا منذ أسبوعين فقط. فنظامها الانتخابي بالتمثيل النسبي، وهو نظام لا يعرف حكومة ظل جاهزة للسلطة، وإنما ائتلاف أحزاب يستغرق اتفاقها أشهراً طويلةً!
مطلب الأحزاب الصغرى، والقضية الواحدة في وستمنستر بتعديل النظام الانتخابي إلى التمثيل النسبي، وحَّد اليمين كحزب الإصلاح مع أقصى اليسار كالخضر، لأن الأصوات العامة التي جمعوها لم تنعكس في مقاعدهم البرلمانية.
بلغ مجموع أصوات العمال 9.7 مليون (33.7 في المائة) تُرجمت إلى 411 مقعداً برلمانياً، أو 63.2 في المائة من الـ650 (فعلياً 412 لأن رئيس البرلمان عمالي، لكنه دستورياً محايد)؛ وجمع المحافظون 6.8 مليون (23.9 في المائة) صوت منحتهم 121 مقعداً (19 في المائة).
4 ملايين (14.3 في المائة) من الأصوات منحت «الإصلاح» 5 مقاعد (أو 0.8 في المائة فقط)، ويجادل زعيمه نايجل فاراج بأن الناخب فقد ثقته بالحزبين الكبيرين، فنسبة أصوات العمال والمحافظين مجتمعة (57.6 في المائة) أقل من نسبتها في 1918، يوم كان العمال الحزب الثالث بعد المحافظين والأحرار.
ويرفض المحافظون ما تروجه الصحافة بأن الخسارة الانتخابية أجهزت عليهم، فنصيب العمال من الأصوات يقارب أصواتهم في 2019 (32.9 في المائة) التي منحتهم 202 مقعد، بينما منحتهم انتخابات 2024 أغلبية 177 مقعداً. أما أغلبية المحافظين في 2019 فكانت 209 مقاعد. ويعود السبب إلى انخفاض المشاركة في 2024 (59.9 في المائة مقارنة بـ67.3 في المائة عام 2019). أما «الإصلاح» فاقتنص أصواته من المحافظين، وبالتالي مجموع أصوات اليمين (10.4 مليون) تفوق العمال بأكثر من مليون صوت.
وفاز 113 نائباً (17.4 في المائة) بفارق ضئيل بسبب تفتيت «الإصلاح» للأصوات، فثلاثة من مقاعدهم الخمسة كُسبت بفارق ما بين 20 و98 صوتاً بعد إعادة الفرز! وكسب العمال في دائرة هيندون اللندنية بفارق 15 صوتاً عن المحافظين، وبفارق 18 صوتاً في بلدة بوول.
سألت شبكة «جي بي نيوز» عينةً ممثلةً لناخبين صوتوا للمحافظين في 2019، لكنهم امتنعوا عن التصويت، أو صوتوا لأحزاب أخرى الأسبوع الماضي عن خيارهم لزعيم جديد للمحافظين، فضّل أغلبيتهم رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون. وعندما اشتملت العينة الذين صوتوا لـ«الإصلاح» اختار 25 في المائة منهم زعيم «الإصلاح» فاراج، وتراجعت نسبة جونسون إلى 11 في المائة؛ رغم أن الخيارين فانتازيا غير واقعية، فجونسون ليس نائب برلمان، وفاراج ليس عضواً في الحزب.
فاراج، بدوره، روَّج لنفسه شعبياً على حساب حكومة ستارمر يوم لقاء الأخير بالرئيس جو بايدن في واشنطن. فوزير الخارجية العمالي الجديد ديفيد لامي كان وجّه انتقادات علنية (ذات طابع شخصي وأخلاقي) غير لائقة للرئيس السابق دونالد ترمب الذي لا يتقبل النقد بصدر رحب، فكيف سيكون تعامل إدارته (في حال فوزه في الخريف) مع دبلوماسية يتصدرها لامي وأميركا هي الحليف الأول للبلاد؟
فاراج قال للصحافيين إنه سيوظف علاقته الطيبة وصداقته مع ترمب لإقناعه بأن لامي شخص طيب وابن حلال (كما يقول المصريون)!
فاراج لا يكن الود للمحافظين ويمقت العمال، فلماذا يمسك بيد اشتراكي يقود الدبلوماسية البريطانية ليعبر حقل الألغام السياسي إذا كانت إدارة ترمب في البيت الأبيض؟
الدافع غالباً يعقوبي في النفس الفاراجية الشعبوية، فانطباع في الرأي العام بتفضيله مصلحة الأمة كوطني بريطاني على الموقف الحزبي سيزيد من شعبيته في حملته لتعديل النظام الانتخابي إلى التمثيل النسبي.
ومقارنة انتقال السلطة ديمقراطياً في بلاد كبريطانيا بأخرى كهولندا مثلاً لن تتطلب جهداً يذكر لإقناع الناخب الواعي أيهما أفضل عملياً للبلاد.