على أحد المواقع كتب أحدهم السؤال التالي: هل «يمكن أن تعجز الكلمات عن وصف شيء معيّن أم أنه مجرد تعبير مجازي؟»، فأتاه الجواب بالإيجاب من شخص يفترض أنه مختصّ في الأمر، موضحاً أنه في حال كانت لغة الفرد وبيانه ليسا عاليين، فإنه لن يجد الكلمات الكافية للتعبير عما يريد قوله أو يحسّ به، ويمكن، أيضاً، أن تعجز اللغة، أي لغة، عن وصف بعض الأمور الصعبة. لعلنا نتذكر قول المستشارة الألمانية السابقة إنجيلا ميركل حين زارت، فترة ولايتها، مناطق تضررت بفيضانات غربي ألمانيا: «اللغة الألمانية لا تعرف مفردات تصف بها الدمار الذي حدث هنا»، ولم تكن ميركل تقصد، وهي المعروفة باعتزازها بألمانيتها، أن تقلل من شأن لغة قومها، من قريب أو بعيد، وإنما التعبير عن هول ما رأت.
ما يصح على اللغة الألمانية يصح على سواها من اللغات، أياً كان ثراؤها، فما أكثر الحالات التي يجد الواحد منّا نفسه عاجزاً، أو على الأقل حائراً، عن العثور على الكلمات القادرة على حمل شحنة الفرح أو الغضب أو الدهشة في نفسه. ولو أخذنا حال الغضب مثالاً، فإن سيل الكلمات التي تنهمر من اللسان لحظتها، يمكن أن تنزلق إلى أمر آخر، دون أن يبلغ قائلها الشعور بأنه بات في حال أفضل بعدها، وقد ينتابه بعدها شعور بالندم، لأنه قال ما لا يصح قوله. ذاك أيضاً مظهر من مظاهر عجز اللغة.
يتحدث الطاهر بن جلون في روايته «ليلة القدر» عن مستودع للكلام يلجه الناس للتزوّد بالكلمات، على طريقة التزوّد بالطعام أو الشراب. كان هذا المستودع بمنزلة «قاموس المدينة»، فبه رفوف كبيرة فوقها يافطات، كل يافطة تحمل حرفاً أبجدياً، والغريب أنه لا يأتي إلى هذا المستودع البُكم أو الذين يعانون فقراً في الكلمات، وإنما يأتي إليه أيضاً للتزود بالكلمات المعروفون بالكلام من دون أن يقولوا شيئاً مُفيداً، والثرثارون الذين تنقصهم الكلمات، ليأخذوا منها ما يلزمهم لعدة أيام أو أسبوع. وفي المستودع أيضاً، كلمات مُكدّسة وقد علتها طبقة من الغبار لأنه لا أحد يستعملها، وكانت توجد منها أكوام تصل إلى السقف، للدرجة التي تجعل الزائر يتساءل عما إذا كان الناس لم يعودوا في حاجة إلى هذه الكلمات.
مستودع الكلام هذا لن يعني أننا سنجد فيه كلّ ما نحتاج إليه من احتياطي المفردات التي تلزمنا في أوقات الحاجة.
لعلّنا نجد في العبارات التالية للكاتب إميل سيوران ما يضيء الفكرة، فبرأيه: «لا توجد كلمة تحت الشمس في مستوى الروح. وعندما نفتقد مفتاح صوت الجنون، نجد في الأسف دموعَ العزاء لهذا العجز اللغوي».