: آخر تحديث

التقدميون وسياسة بايدن الاقتصادية

13
14
15
مواضيع ذات صلة

هناك سؤالان كبيران حول الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن. أحدهما يتعلق بسبب أو أسباب حالته الجيدة، والآخر بسبب إصرار كثير من الأميركيين على أنه في حالة سيئة.

والواقع أنه ليس لدي أي أوهام بشأن إقناع المحافظين بأن الاقتصاد في حالة جيدة، ذلك أنهم اتخذوا قرارهم، والإشارة إلى حقائق تتعارض مع وجهات نظرهم تُغضبهم.

لكن يبدو أن هناك أيضاً عدداً كبيراً من التقدميين غير المستعدين للاعتراف بالأخبار السارة لأسباب مختلفة. وقد تكون هذه المجموعة، على الأقل، مستعدة للاستماع للحجج التي تشير إلى أن الرئيس جو بايدن حقّق أكثر مما يعتقدون، بالإضافة إلى الفكرة التي تقول إن «نصف رغيف أفضل من لا شيء» وأفضل بكثير مما سيفعله معارضو بايدن إن مُنحوا الفرصة.

والواقع أن العديد من الأميركيين ما زالت لديهم وجهات نظر سلبية للغاية بشأن الاقتصاد. هذا الأمر قد يعكس جزئياً حقيقةَ أنه إذا كان التضخم قد انخفض، فإن الأسعار ما زالت مرتفعة مقارنة بالماضي القريب. لكن هذا التأثير قد يزول مع مرور الوقت، وكما كتبتُ مؤخراً، فإنه ينبغي أن تكون هناك حدود بشأن إلى أي مدى يمكن للناس أن يبحثوا في الماضي عن تصور لما يجب أن تكون عليه أسعار الأشياء. أحد التحليلات الأخيرة المثيرة للاهتمام يشير إلى أن الأمر يستغرق نحو عامين قبل أن ينعكس انخفاض التضخم على معنويات المستهلِك، وفي هذه الحالة، فإن الأميركيين قد يشعرون بتحسن بشأن الاقتصاد في الوقت المناسب قبل انتخابات العام المقبل.

ومن ناحية أخرى، فإن التضخم ظاهرة عالمية، لكن الفجوة الكبيرة جداً بين المؤشرات الاقتصادية الإيجابية والتصورات العامة القاتمة مسألة تكاد تقتصر على الولايات المتحدة، حيث يؤمن الناس بكثير من الأشياء السيئة بخصوص الاقتصاد والتي هي مجافية للحقيقة بكل بساطة. 

وانطلاقاً من تجربتي الخاصة، أستطيعُ أن أقول إن الحديث حول هذه القضايا مع أشخاص من اليمين مستحيل عموماً. ذلك أنك إذا أشرت إلى أن دخل معظم العمال تجاوز معدل التضخم بشكل كبير منذ عشية الوباء، فإنهم سيقولون لك إنك عضو من النخبة المحظوظة وليست لديك أي فكرة عن تكلفة الأشياء حقاً. وإذا أوضحتَ لهم أن الأميركيين عموماً أكثر ميلاً من الآخرين إلى التعبير عن وجهات نظر إيجابية حول الوضع المالي لعائلاتهم وأن الإنفاق الاستهلاكي القوي يدحض الادعاءات بشأن المعاناة المزعومة للعائلات، فإنهم سيقولون إنك متعجرف تقول للناس كيف ينبغي أن يكون شعورهم. باختصار، إنها حالة حيث كل الخيارات تؤدي إلى الخسارة.

ومع ذلك، فثمة مجموعة قد تكون قابلةً للإقناع، وهم التقدميون الذين يرفضون الاعتراف بالأخبار الاقتصادية الجيدة لأنهم يرون أنه ما زالت هناك الكثير من الأشياء التي ليست على ما يرام في أميركا. والواقع أنني لا أعرف حجم هذه المجموعة، لكن يبدو أنني أعرف الكثير من أفرادها، وقد تكون سلبيتهم بدأت تؤثّر على النبرة العامة للحديث.

والأكيد أن أميركا بايدن ليست جنةً تقدميةً. إذ ما زال هناك الكثير من الثروة والسلطة متركزين في أيدي قلة من الأشخاص، حتى في وقت ما زال فيه الملايين من مواطني هذه الدولة الغنية يعيشون في فقر ويفتقرون للرعاية الصحية الكافية. ومع ذلك فثمة تقدم حقيقي لا تخطئه العين. ذلك أننا بدأنا أخيراً نتخذ إجراءات جادة ضد تغير المناخ ونستثمر في البنية التحتية. كما أن زيادة الإعانات ساعدتْ على توسيع التغطية الصحية بموجب «قانون الرعاية الميسّرة». ثم هناك حقيقة غير معروفة، وهي أن اقتصاد التشغيل الكامل في عهد بايدن أدى إلى انخفاض كبير في عدم المساواة في الأجور، إلى جانب تحقيق مكاسب كبيرة للعمال من ذوي الأجور الأقل. 

على أن الأمور كانت ستبدو أفضل بكثير لو حقّق «الديمقراطيون» فوزاً أكبر بقليل في انتخابات 2020. ذلك أن مجرد عضو أو عضوين إضافيين من أعضاء مجلس الشيوخ «الديمقراطيين» كان سيعني تمديداً دائماً للائتمان الضريبي الموسع للأطفال، والذي كان من شأنه أن يحدّ بشكل كبير من فقر الأطفال. والواقع أنه ما زال يستطيع فعل ذلك، إن وجد «الديمقراطيون» سبيلاً لتحقيق فوز كبير في انتخابات 2024.

ولهذا، فإن رفض التقدميين الاعتراف بالتقدم الذي تحقق مؤخراً هو حالة سُمح فيها للسيناريو المثالي بالتغطية على ما كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير. 

ثم لنتأمل البدائل. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، انعطف الخطاب الجمهوري انعطافاً حاداً إلى اليمين في وقت تجددت فيه التعهدات بإلغاء برنامج «أوباماكير»، مع ما ينطوي عليه ذلك من تهديد للتغطية الصحية لأكثر من 40 مليون أميركي، كما تجددت الضغوط من أجل خفض «الضمان الاجتماعي».

وعليه، فإنني أنظر إلى الأمر كالتالي: إن نتائج فوز بايدن في 2020 كانت دون ما كان يحلم به التقدميون، غير أن هزيمة لبايدن العام المقبل ستكون بمثابة كابوس لهم. فهل يستطيع الأميركيون من ذوي الميول اليسارية استحضار هاتين الحقيقتين والتصرف على النحو المناسب؟

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد