: آخر تحديث

الجغرافيا ومحدِّدات القوة الوطنية

14
15
17
مواضيع ذات صلة

يرى العديد من مفكري ومرجعيات مدارس العلوم السياسية أن من العناصر الملموسة للقوة الوطنية: الجغرافيا والمواد الخام والموارد الطبيعية والسكان والتكنولوجيا ومخرجات العلوم التجريبية والمال والاقتصاد والصناعة والقدرة النوعية الإنتاجية والإمكانيات والموارد العسكرية والاستخباراتية ومنظومة الحكم.. إلخ، في حين أنه من العناصر غير الملموسة للقوة الوطنية: الأيديولوجيا والروح المعنوية ومستوى القيادة والشخصية الوطنية والكفاءة التنظيمية ونوعية الدبلوماسية.. إلخ. وكمثال على هذا فقد ساعد موقع إنجلترا والتطور الصناعي السريع الذي حققته بعد الثورة الصناعية على إنشاء إمبراطورية كبيرة والحفاظ عليها، وأن تكون حاكماً افتراضياً للبحار حتى عام 1945.

وهناك دول صغيرة الحجم، لكنها تمتلك قدراً كبيراً من القوة وبشكل يراه الأغلبية غير متناسب مع حجمها وموقعها ومواردها، وبالرغم من ذلك لم تقلل كلُّ هذه التحديات من عزيمتها ومضيِّها قُدُماً في تحقيق أهدافها الوطنية الكبرى ولعبها دوراً بارزاً في تشكيل خارطة العالم الجديد. كما أن هناك بعض الدول كبيرة الحجم، مثل البرازيل وكندا وزائير وأستراليا والسودان.. إلخ، لكنها ليست بنفس القوة التي قد تشير إليها أحجامها. لا يمكن إنكارُ حقيقة كون المساحة الكبيرة تخلق بشكل عام إمكانية امتلاك قوة عظمى، وعلى العكس من ذلك لا يُتوقع عادةً أن تكون الدول صغيرة الحجم قوى عظمى.

إن موقع الأمم يلعب دوراً مهماً في توجهها العسكري والاقتصادي وفي انتهاجها سياسة الانعزال عن الآخر أو الانفتاح عليه. وبما أن الموقع الجغرافي الملائم، من بين أشياء أخرى، يمكن أن يساعد الأمم على أن تكون قويةً، فإنه يمكن بالمقابل أن يحدّ الموقع غير المواتي من القوة الوطنية. وعندما نتحدث عن الموقع نربطه بالبعدين المناخي والبيولوجي، ولا أحد يستطيع أن ينكر اليوم أهمية المناخ في سياق القوة الوطنية حيث يحدد المناخ إنتاج الغذاء والاقتصاد وحتى ثقافة الأمم، كما قد يكون مصدر قيود كبيرة. ومن الحقائق المعروفة أن مراكز القوى الكبرى لم تظهر حتى الآن إلّا في المنطقة المعتدلة بين 20 و60 درجة شمالاً، حيث يمكن أن يكون المناخ المعتدل مصدر قوة ويمكن أن يكون المناخ المتقلّب مصدر ضعف.

من المحددات الأخرى طبيعة التضاريس إلى جانب العناصر الجغرافية الأخرى، والتي تمثل عاملا هاماً من عوامل القوة الوطنية، إذ يمكن أن تؤثر التضاريس على قوة دولة من الدول وقدرتها على الهجوم والدفاع والنمو، كما يمكن للأمة ذات الحدود المستوية والمصطنعة أن تكون ضحية سهلة للتوسع من جانب دولة قوية. وتعتبر الحدود الطبيعية ذات المزايا الاستراتيجية دائماً مصدر قوة للدول، حيث تكون التضاريس محدِّداً في القرارات المتعلقة بالأمن المادي للدول.

ومن جهة أخرى تعتبر الحدود عاملا جغرافياً للقوة الوطنية، إذ تشكل الحدود المستقرة والطبيعية مصدراً لعلاقات التعاون بين دول المنطقة الواحدة. والحدود غير المحددة أو المتنازع عليها تعد مصدراً للصراع الذي يضعف القوة الوطنية.

وعلاوة على ذلك يرتبط دور الجغرافيا كعنصر من عناصر القوة الوطنية بعناصر أخرى، مثل السكان ومستوى التطور العلمي والصناعي لوسائل النقل والاتصالات.. إلخ.

والواقع أن الاختراعات العلمية والابتكارات التكنولوجية مكّنت لإنسانَ من التكيّف مع المشاكل والعوائق الجغرافية والتغلب عليها. ويرى البعض أن الجغرافيا عنصر مهم، لكنها ليست مُحدِّداً مستقلاً للسلطة الوطنية. وربما بالغ علماء الجغرافيا في تقدير أهميتها السياسية، إذ لم تعد تعكس الطبيعةَ الديناميكية للقوة الوطنية، حيث أصبحت الأهمية النسبية لعناصر القوة الوطنية في عصرنا تتغير باستمرار، خاصةً مع التغيرات التكنولوجية السريعة، حيث حلَّ النفطُ محلَّ الفحم كمصدر رئيسي للوقود، وقد يتم استبدالُ النفط باليورانيوم أو أي مصدر آخر للطاقة في المستقبل القريب.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد