: آخر تحديث

جائزة للموسيقى التراثية والمعاصرة

146
115
102

 محمد أدهم السيد 

الموسيقى التعبّدية هي من الأنماط الموسيقية المحببة في العالم الإسلامي، انطلقت مع بداية الاسلام بالاعتماد على القصيدة وإيقاع الدفوف، قبل أن تتوسع في وقت لاحق لتدخل الآلات النفخية والوترية وتختلف أشكالها وأنغامها، مع امتداد الحضارة الإسلامية ووصولها إلى مناطق شاسعة من آسيا الوسطى والشرق الأقصى ومناطق أخرى من العالم.

استطاعت الموسيقى التعبدية الدمج ما بين الموسيقى والعبادة، واعتمدت في مناطق وفترات مختلفة من التاريخ الإسلامي على المزج بشكل جميل ومتناغم بين الموسيقى الكلاسيكية المحلية (الأصيلة)، والموسيقى الشعبية التقليدية، والأناشيد والقصائد الدينية، إضافة إلى الموسيقى المعاصرة المستوحاة من التقاليد التي ازدهرت ضمن الثقافات التي صاغها الإسلام.

وعلى رغم أهمية هذه الموسيقى التعبدية والتراثية والشعبية، وعراقتها الضاربة في القدم، فإنها لم تلقَ الاهتمام الكافي على الصعيد الدولي، بخاصة في ما يتعلق بالجوائز العالمية أو المشاريع التي تعنى بتوثيقها وتطويرها وتقديمها على نحو لافت إلى العالم، باستثناء عدد محدود من المبادرات والمشاريع الفردية. فمن بين العديد من الجوائز الموسيقية العالمية، لا يركز أي من هذه الجوائز في الوقت الحالي على هذا النوع من الموسيقى.

هذا الأمر دفع واحدة من أهم المنظمات التنموية الدولية الخاصة، وهي شبكة الآغا خان للتنمية التي يقع مقرها في جنيف، وتدير مجموعة كبيرة من المشاريع والمؤسسات التنموية والثقافية في العالم، من بينها مبادرة الآغا خان للموسيقى، إلى الإعلان أخيراً عن إطلاق جائزة عالمية جديدة هي الأولى من نوعها، وتقدر قيمتها المالية بـ 500 ألف دولار أميركي، بهدف الاحتفاء بالإبداع الاستثنائي والأعمال الواعدة، والمشاريع التي تعنى بالأداء الموسيقي والتأليف والتعليم، والحفاظ على التراث الاسلامي الموسيقي، وإعادة إحياء موسيقى في المجتمعات التي يكون للمسلمين حضور مهم فيها حول العالم.

إضافة إلى الاعتراف بالمواهب الاستثنائية ودعمها، ترمي الجائزة إلى تعزيز التسامح والتعددية في أنحاء العالم، من خلال تشجيع الأنواع والاساليب الموسيقية التعبدية والتراثية والشعبية، الكلاسيكية منها والمعاصرة، والدور التقليدي الذي تقوم به كمصدر للتنوير الروحي والإلهام الأخلاقي والتماسك الاجتماعي. ويلخص الأمير كريم آغا خان، رئيس شبكة الآغا خان للتنمية، الدور الذي ستضطلع به هذه الجائزة على الصعيد الدولي بالقول: «تسعى جوائز الآغا خان للموسيقى إلى لعب دور ثقافي فريد من نوعه».

تم الإعلان عن تأسيس جوائز الآغا خان للموسيقى أخيراً، ومن المقرر أن تستضيف لشبونة عاصمة البرتغال أول حفلة لتسليم هذه الجوائز في آذار (مارس) 2019. وسوف تحكم جوائز الموسيقى لجنة توجيهية يتشارك في رئاستها كل من الأمير كريم آغا خان وشقيقه الأمير أمين آغا خان، بينما سيتم اختيار المرشحين للجائزة من بين مجموعة تضم حوالى 100 متخصص في مجالات الموسيقى حول العالم. أما لجنة التحكيم العليا التي تختار الفائزين فستتألف من موسيقيين بارزين، ومديري مهرجانات، ومنتجي تسجيلات موسيقية، وقادة في تعليم الفنون، وغيرهم.

ووفقاً للقائمين على الجائزة، سيجرى اختيار مجموعة من 4 إلى 8 مشاريع فائزة في كل دورة من دورات الجائزة. أما المعايير الأساسية المعتمدة فتتلخص في إنجاز المشروع او الفنان لواحد أو أكثر من الشروط الأساسية المطلوبة للترشح للجائزة (والتي يجب أن ترتبط بشكل اساسي بالمجتمعات التي يكون للمسلمين حضور مهم فيها حول العالم)، وتتلخص بوجود إثبات ملموس على الإنجاز الفني الاستثنائي من خلال العمل الموسيقي المقدم أو المشروع المنجز، وتحقيق التميز للمؤدي أو الموسيقي أو المؤلف أو الملحن، وتحقيق مستوى عالٍ من التميز في المسعى الاجتماعي أو الإنساني الذي يتصل بشكل أساسي بالموسيقى (مثل مبادرات التعليم، والحفظ، والتوثيق، والنشر، والبحوث والمنح الدراسية)، وأخيراً أن يكون المترشح قد قدم مساهمات كبيرة لتطوير واستدامة وتوفير الموسيقى أو المؤسسات الموسيقية.

ويؤكد القائمون على هذه المبادرة الفائدة الكبيرة التي ستجنيها المشاريع الفائزة، إذ سيعمل الفائزون بالجائزة على مواصلة تطورهم الاحترافي من خلال الفرص التي ستسنح بالتعاون مع جوائز الموسيقى خلال كل دورة من دورات الجائزة التي تستمر ثلاثة أعوام. وستشمل هذه الفرص العمل على إنتاج أعمال جديدة، وعقود للتسجيلات الموسيقية والأعمال الإدارية للفنان، ودعم المبادرات التعليمية الرائدة، وتقديم الاستشارات الفنية والتنظيمية التي تتعلق بمشاريع أرشفة الموسيقى والحفاظ عليها ونشرها.

ستشرف مبادرة الآغا خان للموسيقى على إدارة هذه الجوائز، وهي برنامج تعليمي للفنون والموسيقى، يتضمن ايضاً نشاطات على الصعيد الدولي في مجالات الأداء والعروض الموسيقية، والنشر، والإرشاد والإنتاج الفني. وتقول مديرة مبادرة الآغا خان للموسيقى فيروز نيشانوفا عن اهمية هذه الجوائز: «قدم العمل الذي قمنا به على مدى السنوات الـست عشرة الماضية لمحة عن التركة الموسيقية غير العادية التي شكّلها التراث الثقافي الإسلامي حول العالم. سوف تؤمن جوائز الموسيقى الفرصة ليس للبحث عن تلك المواهب فحسب، ولكن أيضًا لتقديم الدعم لها بطريقة ملموسة وبناءة».

أما ثيودور ليفين، المستشار الرئيس ضمن مبادرة الآغا خان للموسيقى، فيختم قائلاً: «تهدف جوائز الموسيقى إلى إلقاء الضوء على الأشكال المتنوعة التي يتم التعبير عنها من خلال التراث الموسيقي الإسلامي في العالم المعاصر، وذلك عبر تقديم المساعدة للتطوير الوظيفي للفنانين الفرديين، بالإضافة إلى تطوير المنظمات التعليمية والثقافية التي تعمل على حفظ هذا التراث وتطويره».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد