: آخر تحديث
بي بي سي تكشف

كيف تُروج مقاطع فيديو على تيك توك لحملات دعائية روسية؟

45
43
40

كشفت البي بي سي النقاب عن حملة دعائية روسية تتضمن آلاف الحسابات المزيفة على منصة "تيك توك" التي تنشر معلومات مضللة عن الحرب في أوكرانيا.

وتجتذب مقاطع الفيديو التي تنشرها بانتظام ملايين المشاهدات ولها هدف واضح هو تقويض الدعم الغربي لأوكرانيا.

وأُخضع المستخدمون في العديد من الدول الأوروبية لمزاعم كاذبة تقول إن مسؤولين أوكرانيين كبار وأقاربهم اشتروا سيارات فاخرة أو فلل خارج البلاد عقب الغزو الروسي في فبراير/ شباط 2022.

ولعبت مقاطع الفيديو المزيفة على تيك توك دوراً في إقالة وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنكوف في سبتمبر/ أيلول الماضي، وفقاً لابنته أناستاسيا شتينهوز.

وقالت تيك توك إنها قامت بإزالة أكثر من 12,000حساب مزيف منشأها روسيا، ومن بينها حوالي 800 حساب كُشفت بصورة مستقلة من جانب البي بي سي.

"فيلا في مدريد"

وقالت السيدة شتينهوز لبي بي سي إنها اكتشفت وجود حملة التضليل الروسية عندما تلقت مكالمة هاتفية مفاجئة من زوجها أثناء قضائها عطلة لها.

قال لها في المكالمة: "حسناً، إذاً أنت الآن تملكين فيلا في مدريد"، قبل أن يرسل لها رابطاً لمقطع فيديو على تيك توك يتحدث فيه صوت تم تركيبه بالذكاء الاصطناعي زاعماً أنها اشترت منزلاً في العاصمة الإسبانية.

تجاهلت شتينهوز في البداية مقطع الفيديو باعتباره أمراً حدث لمرة واحدة، لكن في صباح اليوم التالي أُرسل لها مقطعاً مماثلاً على تيك توك يزعم أنها اشترت فيلا على الريفيرا الفرنسية. وانتشرت مقاطع الفيديو بين اصدقائها قبل أن تصل في النهاية إلى زوجها.

لقطة مصورة من الشاشة لمقطعي فيديو يتهمان ريزنكوف وابنته بشراء سيارة وفيلا فاخرة في سيارة
BBC
مقاطع فيديو على تيك توك تتهم كذباً ريزنكوف وابنته بشراء سيارات فاخرة أو عقارات في أوروبا خلال الحرب

وتقول السيدة شتينهوز إنها لا تملك عقاراً في إسبانيا أو فرنسا أو "أي مكان آخر خارج أوكرانيا".

اقتفت بي بي سي أيضاً آثار صور المنزلين في مدريد وكان فوصلت إلى موقعين محليين للعقارات على الانترنت، وكان كلا المنزلين ما زالا معروضين للبيع.

واستهدفت مقاطع فيديو أخرى والدها بشكل مباشر.

جهد منسق

وتنتمي مقاطع الفيديو التي أرسلت إلى السيدة شتينهوز إلى شبكة واسعة من الحسابات المزيفة على تيك توك ومقرها روسيا وتظهر هذه الحسابات وكأنها لمستخدمين حقيقيين من ألمانيا وفرنسا وبولندا وإسرائيل وأوكرانيا.

وباستخدام توليفة من عمليات البحث عن الوسم والتوصيات الخاصة بتيك توك، تمكنت وحدة التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي من تعقب المئات من مقاطع الفيديو المماثلة التي تستهدف العشرات من المسؤولين الأوكرانيين.

واستخدمت الحسابات التي نشرت تلك المقاطع صوراً شخصية مسروقة، من بينها صور لمشاهير مثل سكارليت جوهانسون وإيما واتسون وكولين فاريل.

وباستثناء عدد قليل، فإن تلك الحسابات نشرت مقطع فيديو واحد لكل حساب- وهي وسيلة تكتيكية تقول تيك توك إنها جديدة واستهدفت تجنب اكتشافها والتلاعب بالنظام الخاص بالمنصة المتعلق باقتراح مقاطع فيديو معينة على المستخدمين.

بدا المجهود منسقاً، فأحياناً يتم نشر مقاطع الفيديو من قبل حسابات مختلفة في اليوم نفسه وتظهر فيها نصوص متطابقة أو متشابهة للغاية.

وخلال التحقيق، وجدت وحدة التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي دليلاً ثابتاً وظرفياً يشير إلى أصل روسي محتمل للشبكة.

وهذا الدليل شمل أخطاء لغوية نمطية لدى المتحدثين الروس، بما في ذلك بعض العبارات الروسية التي لا تستخدم في لغات أخرى. كما أن العديد من مقاطع الفيديو احتوت على روابط لموقع على الانترنت كان قد كُشف في السابق من قبل شركة ميتا باعتباره جزءاً من شبكة على صلة بروسيا تعمل على انتحال شخصية مواقع إخبارية غربية مشروعة على الانترنت.

واستهدفت الكثير من مقاطع الفيديو التي قامت وحدة التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي بتحليلها السيد ريزنكوف والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومسؤولين أوكرانيين آخرين، إذ تصورهم على أنهم أشخاص مهووسون بالمال ولا يهتمون بالمواطنين الأوكرانيين العاديين او بالجهد الحربي.

وتجنبت تلك الحسابات المزاعم بارتكاب أخطاء، لكنها لمحت إلى أن سياسيين اشتروا عقارات فاخرة أو سلع خلال زمن الحرب- وهي مزاعم، خلال التحقق منها، تبين أنها كاذبة.

وتعتقد السيدة شتينهوز أن هذه التلميحات لعبت دوراً في إقالة والدها، وتقول: "لقد أثر على حياة والدي ومسيرته المهنية".

وكان ريزنكوف الذي حظي بالإشادة في السابق باعتباره شخصية أساسية في الجهود الأوكرانية لحشد الدول الغربية من أجل إمدادات الأسلحة، قد أقيل من منصبه كوزير للدفاع في سبتمبر/ أيلول.

وقالت السيدة شتينهوز إن مقطع فيديو واحد منفرداً ما كان ليكون له أي تأثير، ولكن "عندما ينشر خمس مرات ومن مناطق مختلفة من العالم ومن داخل البلاد، فإنه يبدأ بالتأثير".

وكان ريزنكوف قد فقد منصبه وسط حملة لمكافحة الفساد وعدد من الفضائح في وزارة الدفاع تتعلق بشراء سلع ومعدات للجيش بأسعار مضخمة. لكنه لم يُتهم شخصياً بالفساد.

وفي إعلانه عن قرار استبدال ريزنكوف، قال الرئيس زيلينسكي إن "الوزارة تحتاج إلى نهج جديد". وعلى الرغم من أنه لم يذكر أي فساد في تصريحه، إلا أن البعض في أوكرانيا رحب بالاستقالة التي جاءت بعد عدة اتهامات بالفساد تعلقت بالعاملين تحت إمرة ريزنكوف.

وقال رومان أوسادتشوك من مختبر بحوث التحليل الجنائي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، والذي قام بالتحقيق في الشبكة بالتعاون مع البي بي سي، إن الحسابات المزيفة التي استهدفت أوكرانيين كانت تحاول تقويض ثقتهم بقيادة البلاد.

وقال: "إنهم يحاولون جعل أوكرانيا أقل مرونة بصورة ما وجعل المجتمع الأوكراني يتوقف عن قتال الروس."

ويقول رينيه دي ريستا، وهو مدير البحوث التقنية في مرصد ستانفورد للانترنت، إن تركيز مقاطع الفيديو على الفساد في المجهود الحربي الأوكراني كان موجهاً بشكل خاص للغرب.

ويضيف قائلاً إن "كل تلك الأشياء المختلفة التي يزعمونها (حول المسؤولين الأوكرانيين) بأنها طرق فساد لكسب ير مشروع، الهدف منها هو تقويض الدعم المتواصل، وبخاصة من جانب الدول الأوروبية للمجهود الحربي الأوكراني."

العثور على المزيد من الحسابات

وعندما أبلغنا تيك توك بما توصلنا إليه، قال متحدث باسم المنصة: "نحن نلاحق باستمرار وبلا هوادة أولئك الذين يسعون إلى التأثير على مجتمعنا من خلال سلوكيات خادعة، وقد قمنا بإزالة عملية تأثير سرية منشأها روسيا، في إطار تحقيق بدأته تيك توك وساهمت فيه بي بي سي."

وقالت منصة تيك توك إنها ما تزال تحقق لمعرفة من يقف خلف الشبكة وعثرت على مقاطع فيديو مزيفة بلغتين أخريين هما الإيطالية والإنجليزية.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها تيك توك من أجل إغلاق الشبكة، إلا أنه في الأسابيع التي تلت إبلاغ وحدة التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي عن تلك الحسابات، قدم التطبيق لنا توصية بالعشرات من مقاطع الفيديو الأخرى التي يبدو أنها جزء من الشبكة نفسها.

ونُشر البعض منها في وقت قريب من أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني وغطى أحداثاً وقعت مؤخراً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار