تتعالى صيحات فرح الأطفال وتملأ الأجواء وهم يستمتعون باللعب وركوب عجلة الملاهي الدوّارة وسيارات التصادم والأفعوانية الصغيرة في حديقة تقع في وسط العاصمة الأفغانية كابل.
ويجلس معهم آباؤهم أثناء اللعب أو ينظرون إليهم وهم يلتقطون لهم الصور التذكارية، فهي لحظات نادرة من الفرح في أفغانستان التي اعتادت الأخبار البائسة.
بيد أن أمهاتهم أصبحن الآن محرومات من حق مشاركة أطفالهن هذه الذكريات، بعد أن منعت حركة طالبان المتشددة ارتياد النساء الحدائق في كابل.
ويأتي الإجراء بعد منع النساء مؤخرا من دخول حمامات السباحة والصالات الرياضية في العاصمة.
ومن المتوقع تطبيق القواعد في شتى أرجاء البلاد.
وتخشى النساء والفتيات الأفغانيات من المستقبل، مع تقييد طالبان لأنشطتهن.
ويقول البعض إن هذه الإجراءات لا تؤثر في أنحاء البلاد، نظرا لأن قضاء أمسية خارج المنزل، بالنسبة لغالبية الناس في الوقت الحالي، رفاهية لا يمكن تحمل تكلفتها.
ولا يتعلق الأمر بالنسبة للعديد من الفتيات الأفغانيات بحجم تأثير هذه الإجراءات، بل برمزية الخطوة، وما تكشفه عن نية طالبان منذ استيلائها على السلطة في أغسطس/آب 2021.
وتقول إحدى الطالبات، لم يُكشف عن اسمها لحمايتها: "نستيقظ كل يوم، بصفتنا فتيات في أفغانستان، على قيود جديدة. أصبح الأمر كما لو أننا نجلس وننتظر القيود التالية".
وتضيف: "كنت محظوظة أنني أنهيت دراستي الثانوية قبل مجيء طالبان للحكم. لكنني أخشى أن تكون الجامعات الآن مغلقة أيضا أمام النساء. ستتبدد أحلامي".
وتقول الطالبة إنها تقدمت مؤخرا لامتحان القبول بالجامعة وشعرت بيأس عندما علمت أن التخصص الذي كانت تريد دراسته، وهو الصحافة، لم يعد متاحا للنساء، وهو جزء من مجموعة قيود أخرى فرضتها طالبان مؤخرا.
وتضيف الطالبة: "لا أستطيع وصف مدى صعوبة الأمر، ينتابك الشعور أحيانا برغبة في الصراخ بصوت عال"، ويتجلى الإحباط في صوتها وهي تقول "أشعر بيأس".
وفي ظل تقويض مساحة الحرية المخصصة للنساء في أفغانستان، يسعى البعض إلى إيجاد طرق لمواجهة قمع طالبان.
استطاعت الناشطة ليلى باسم المشاركة في تأسيس مكتبة للنساء، ولديها آلاف الكتب بلغات مختلفة في شتى الموضوعات.
وتقول: "نريد بذلك أن نظهر لطالبان أن النساء الأفغانيات لن يصمتن، وهدفنا الثاني هو توسيع ثقافة قراءة الكتب بين النساء، ولا سيما الفتيات المحرومات من التعليم".
ودأبت الناشطة على معارضة الرجال القائمين على إدارة البلاد، كما شاركت في احتجاجات عديدة منذ العام الماضي.
وتقول: "لا نخشى الموت أو تهديد طالبان لعائلاتنا، بل نخشى استبعادنا من المجتمع".
وترى أن القيود المتزايدة على النساء مقلقة وتدعو إلى الحزن.
وتقول: "أشعر باستياء شديد عندما أفكر في كل الحريات التي فقدناها، إن شعوب الدول الأخرى تستكشف كوكب المريخ، وما زلنا هنا نكافح من أجل هذه الحقوق الأساسية".
وقبل أسابيع اعتقلت السلطات الأفغانية ظريفة اليعقوبي، الناشطة في مجال حقوق المرأة، وثلاثة آخريات، وعلى الرغم من الدعوات المتعددة من الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات لإطلاق سراحهن، لم تكن هناك أي استجابة من طالبان.
وشهد الأسبوع الماضي جلد 12 شخصا، من بينهم ثلاث نساء، أمام آلاف الأشخاص في ملعب كرة قدم في أفغانستان.
ويشبه حكم لطالبان الحالي، مع كل إجراء تتخذه الحكومة، نظام حكمهم منذ تسعينيات القرن الماضي بشكل متزايد.
وتقول ليلى باسم: "السياسات الحالية لطالبان هي نفسها منذ 20 عاما، نحاول أن نقول لهم إن هذا غير مقبول في القرن الحادي والعشرين".
ويوجد على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من المكتبة، مقر لشرطة الأخلاق التابع لوزارة نشر الفضيلة ومنع الرذيلة لطالبان، وهو مكان آخر محظور على النساء الأفغانيات.
ويقول المتحدث محمد عاكف مهاجر: "وضعنا صندوقا عند البوابة يمكن للنساء إسقاط شكاواهن بداخله. ويذهب مديرنا إلى البوابة لمقابلة النساء احتراما لهن".
ودافع عن قرار منع النساء من دخول الحدائق، قائلا إن الشريعة الإسلامية لم تكن مطبقة.
وأضاف: "طوال 15 شهرا، أعطينا الأخوات فرصة الاستمتاع بالذهاب إلى الحدائق. طلبنا من النساء الحفاظ على ارتداء الحجاب، ولم يلتزم بعضهن بذلك. خصصنا أياما منفصلة للرجال والنساء للذهاب إلى الحدائق، ولم يلتزم أحد بذلك".
وردا على سؤال عن سبب قمع المتظاهرين من أجل حقوق المرأة، قال محمد عاكف مهاجر: "في كل دولة يُعتقل أي شخص يعترض على أوامر الحكومة، وفي بعض الدول، يتعرضون للقتل".
وأضاف: "لم نفعل ذلك، لكن بطبيعة الحال، إذا اعترض شخص على مصلحة وطنية، فسوف نسكته".
وتشير أقوال وأفعال طالبان إلى جمود موقفهم من النساء وأي شخص ينتقد سياساتهم. إنها أفعال تتحدي الصورة الأكثر اعتدالا التي حاولوا ترويجها منذ استيلائهم على السلطة العام الماضي.
وقالت الطالبة الشابة: "قد يُقال لنا ذات يوم إن النساء لا يمكنهن الخروج من منازلهن بعد الآن. كل شيء ممكن في أفغانستان".
كما يتجلى يأس الأفغانيات من المجتمع الدولي.
وتقول ليلى باسم: "أدار العالم ظهره لنا، الأقوياء في جميع أنحاء العالم يدعمون الإيرانيات، لكن ليس الأفغانيات".
وتضيف: "ما يحدث لنا لا يتصدر حتى العناوين الرئيسية للصحف. نشعر بإحباط وأننا في طي النسيان".