لا أعرف لماذا يربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحاته المتعددة بأنَّ أميركا يجب أن تعود قوية وعظيمة. ما الأشياء التي لاحظها ترامب وجعلته يردد هذا التصريح بشكل متواصل؟ وهل فعلًا أميركا لم تعد عظيمة؟ وإن كان هذا صحيحًا، فما هي الدولة العظيمة التي بات يخشاها ترامب؟! لا يمكن لرئيس دولة بحجم أميركا أن يخرج بتصريحات منفعلة بهذا الشكل دون أسباب واضحة. هل بات الرئيس الأميركي يخشى الضغوط السياسية والاقتصادية في هذه المرحلة وطوال السنوات الأربع القادمة؟
يحق للمتابع السياسي أن يطرح مثل هذه الأسئلة حتى تتضح السياسة القادمة لتسيير هذا العالم، وعلى وجه الخصوص المناطق التي تحدث فيها صراعات وحروب وقلاقل، وترتبط على نحو مباشر بمصالح مشتركة مع أميركا. في خطابات ترامب، وخاصة الخطاب الذي كان أمام الكونغرس، كان يشيد بالعمل المبكر لإدارته، رغم ما يجده من مضايقات من الجمهوريين في بعض القرارات التي يضطر أحيانًا للتراجع عنها أو تخفيفها، كما فعل مؤخرًا بعد أن خفف حدة الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا، والتي كانت قد دخلت حيز التنفيذ قبل ساعات فقط.
الواضح من الوضع الترامبي أنَّ الولايات المتحدة تعيش وضعًا داخليًا غير مستقر يتمثل في بعض النقاط، ولعل أهمها: عدم دفع أجور الموظفين الفيدراليين وما قد يتبع ذلك من تأثير في الاقتصاد والخدمات العامة المقدمة.
من جهة أخرى، تنشر صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن الديمقراطيين، إذا ما أرادوا تقديم معارضة فعالة ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فعليهم التعبير عن قيمهم ورؤيتهم وحلولهم المقترحة لمشاكل البلاد بحزم وقوة، وتجنب سيل الحيل والتلاعب وأساليب الاحتجاج البدائية ضد الرئيس، رغم أن ترامب لديه من القدرات الخاصة التي تجعل من تواصله مع الجمهور إيجابيًا من خلال إيصال أفكاره لهم.
إقرأ أيضاً: التلفاز في شهر رمضان
كل تلك التقلبات السياسية في الداخل الأميركي لها تأثير، دون أدنى شك، على السياسة الخارجية لأميركا. هذا التسارع والتوتر كان بالإمكان استغلاله في الشرق الأوسط بالطريقة المثلى. فطالما يشعر الأميركيون بخلل في الوضع الاقتصادي العام للدولة، فهذا دليل على أنهم يعيشون أزمة حقيقية، وحلها يكمن في توسيع رقعة استثمارات الدولة. جزء من هذه الاستثمارات، وهو جزء لا يستهان به، مرتبط بدول الخليج، التي يقع على عاتقها أولًا توحيد الصف والاستفادة من هذا الظرف الأميركي في خدمة مصالح المنطقة بشكل عام.
لا يمكن قبول أفكار إسرائيل في المنطقة بأي حال من الأحوال، ولا يمكن أن تتعزز حظوظها في الاستيلاء على مساحات جديدة في فلسطين أو سوريا أو لبنان، حين تنجح دول الخليج في فرض شروطها على دولة كانت عظيمة، كما يقول رئيسها الحالي، والذي يطمح إلى أن تعود عظيمة كما كانت. لا أحد يستطيع أن يقول إن الفرص المتاحة في العمل السياسي صعبة أو غير مفهومة، لأن الأحداث تقدم الصورة المثلى لمرحلة الاستفادة واستغلال الوضع.
هذه قد تكون قاعدة عامة في عالم السياسة، الذي في الأصل مرتبط بالمصالح المشتركة. فالدول العظمى لم تصبح عظمى بين ليلة وضحاها، بل كان هناك عمل خاص بالدولة، وعمل خاص بمستوى العلاقات والمصالح. والدولة التي تستطيع أن تستفيد من إمكانياتها الاقتصادية والإقليمية في الوقت المناسب ستعزز من استقرارها، ومن ثم تستطيع أن تقدم خططها المستقبلية للتنمية.
إقرأ أيضاً: ألف تحية للسعوديين في ذكرى التأسيس
لذا، نحن في العالم العربي، وخاصة في الخليج، أمام فرصة قد تكون ذهبية، تتطلب دراسة عاجلة والاستفادة من الوضع الحالي. وبشكل خاص، فإن السعودية فعلت في الأيام القليلة الماضية أمرًا رائعًا يفرض وجودها دولة محورية في هذا العالم، ومشرفًا عامًا، إن جاز لنا التعبير، على كل الأحداث الدائرة في العالم. فأن تجتمع دول عالمية في السعودية كي تقوم بدور الوساطة لحل أزمة تؤرق اقتصاد العالم، يعتبر خطوة مهمة. الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تحتاج إلى تدخل سياسي يذيب كل الخلافات، ويكون له دور في إيقاف الحرب، وهذا أمر في غاية الأهمية. هذا الدور قامت به السعودية بكل جدارة.
تكمن أهمية هذا الأمر في أن نجعل العالم يعيد التفكير في تصنيف الدول الأكثر أهمية وتأثيرًا في العالم، لأن السعودية، وبكل ذكاء، استطاعت أن تستفيد مما يحدث وتسخر إمكانياتها لفعل ما يجب فعله، لتخطو خطوات مهمة ومؤثرة في تواجدها كدولة لديها القيمة العظمى التي تحظى بها بعض الدول في العالم.