: آخر تحديث

السعودية وحل النزاعات

4
4
4

انشغل العالم، الأسبوع الماضي، بما يحدث في جدة، في المملكة العربية السعودية، من لقاء أميركي أوكراني، لحل الخلاف البينيّ، والذي انفجر، قبل أسابيع، في البيت الأبيض أمام شاشات العالم، بين الطرفين الحليفين لفترة طويلة؛ الولايات المتحدة وأوكرانيا، وعلى الرغم من وجود جهات دولية متعددة لحل النزاعات الدولية، اتفقت الأطراف على أن تكون المملكة العربية السعودية هي الحاضنة لهذا اللقاء التاريخي؛ كونها مكاناً موثوقاً ومحايداً.

الصورة الكبرى أن النزاع في أوكرانيا ليس نزاعاً بسيطاً، أو يمكن احتواؤه بسهولة، هو نزاع دولي شقَّ العالم، بين روسيا وحلفائها، وبين المعسكر الغربي، وفي أكثر من مرحلة كاد يصبح نزاعاً دولياً ساخناً، كما استهلك من الموارد الأوروبية والأميركية والروسية الكثير، ومن المدن المدمَّرة، والبشر أيضاً، وهم الضحايا الذين يسقطون يومياً في السنوات الأخيرة، ويُقدِّر بعض المصادر أن هناك ثلاثة آلاف قتيل كل أسبوع.

النزاع الدولي ينشأ من عدد من المصادر المتنوعة، بما فيها الخلاف على الحدود في الدول المتجاورة، أو صراعات قومية بينية، أو تسابق آيديولوجي، أو التنافس الاقتصادي، أو من مظالم تاريخية يشعر بها أحد الأطراف ضد الطرف الآخر، ويمكن لمثل هذه الصراعات أن تطول، وتستهلك حتى أجيالاً من البشر، كما في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

المملكة العربية السعودية لها دور تاريخي في حل النزاعات، ربما نذكر ما يُعرف باتفاق الطائف 1989 بين اللبنانيين، وكان لبنان ممزقاً بين مكوناته المتناحرة، ونجحت المملكة، في ذلك الوقت، في رأب الصدع اللبناني، حتى أصبح اتفاق الطائف جزءاً من تاريخ لبنان السياسي المعاصر، كما نعلم، تخلى بعض اللبنانيين عن كثير من عناصر الاتفاق، ولو طُبق لما عانى لبنان ما عاناه بعد ذلك.

إلا أن مساعي السعودية بحل الأزمة بين قوى دولية كبيرة شيء آخر، فهنا لا بد من مواصفات محددة، فأساس المهمة هو تهيئة بيئة للتفاوض، حيث يشعر المختلفون بأنهم يتصلون ببعضهم مباشرة معبّرين عن مصالحهم ومخاوفهم دون قيود، حيث إن هذه المساعي تُيسر الحوار، وتُهيئ الظرف الموضوعي له واقتراح الحلول. ولنجاح هذا لا بد من صفات خاصة، وقدرات نوعية، منها ثقة الأطراف المتنازعة في الحيادية والإنصاف والثقة التي تتحلى بها السعودية، إذ تشعر الأطراف أيضاً بالرضا أن مصالحهم الأساسية سوف تمثل.

فعملية حل النزاعات عملية معقدة ولها وجوه عدة، تحتاج إلى دبلوماسية نشطة، ومعلومات موثقة، استراتيجية قوامها المعرفة والصبر، وتفهم ديناميكيات العلاقات العالمية المعقدة وتوازن القوى، تستطيع أن تُمهد للحوار، وتُقرب الفوارق وتنسج الحلول السلمية والخيارات المقبولة.

وهنا يأتي دور الأمير محمد بن سلمان، حيث يملك قدرات اتصالية وإرادة من جهة، وخلفه تراكم دبلوماسي سعودي طويل في التاريخ المعاصر، مستمد من المواقف الأخلاقية التي عُرف بها النظام السعودي تاريخياً.

طريق حل النزاعات الدولية قد يكون شائكاً، وقد يتراجع أو يتغير مساره، لذا يبقى التركيز على القضايا الكبرى، ومصالح جميع الأطراف، كما يتوجب على من يقوم بهذا أن يكون محل ثقة كاملة من الأطراف المتنازعة، وهي ثقة من الواضح أن الأطراف الروسية والأميركية والأوكرانية تركن لها.

ومن المحتمل، إنْ سارت الأمور إلى توافق، أن تكون المملكة العربية السعودية هي المكان الذي تلتقي فيه قيادة الأطراف الثلاثة؛ روسيا الاتحادية، وأوكرانيا، والولايات المتحدة، وربما بمشاركة أوروبية، لوضع حد لأطول نزاع مسلَّح في أوروبا، منذ الحرب العالمية الثانية، وإطلاق مرحلة سلام.

حل النزاعات كان يقوم به الدول الكبرى، كما حدث من قبل الولايات المتحدة في كل من آيرلندا الشمالية والبوسنة، أو كما حدث في كامب ديفيد 1978، لأول مرة ينتقل ثقل حل نزاع دولي ضخم إلى الشرق الأوسط، وإلى المملكة العربية السعودية، ذلك له معنى عميق بأن الدولة السعودية تسعى إلى السلام والوفاق، وأنها أيضاً مكان ثقة للقوى الكبرى، فهو عصر جديد في الدبلوماسية النشيطة.

آخر الكلام: الحياد السعودي في الأزمة، والذي قبِلته الأطراف، ظهر في دعم إنساني لأوكرانيا، واستقبال رئيسها أكثر من مرة، مع الحفاظ على علاقات صحية مع بقية الأطراف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد