: آخر تحديث

عين واحدة.. ورؤية متناقضة

2
2
2

جمال الكشكي

خرائط العالم تهتز، وتتلمس وجودها وسط متغيرات واندفاعات وتصدعات تحكمها المصالح الناشئة والجديدة، والتي لم يسبق للعالم أن واجهها معاً مرة واحدة، تبدو العين السياسية واحدة لكن الرؤية متناقضة.

هو الشخص نفسه، لكنه يختلف من جغرافيا إلى أخرى، حسب مصالحه كمستثمر عقاري شهير، إنه دونالد ترامب، الذي تتغير حساباته أو تتناقص وفق المكان.

يشبه حائك الأزياء لديه «موديلات سياسية» على غرار الأزياء الجاهزة والمفصلة.

ترامب في غزة الفلسطينية لديه «موديل»، يختلف عن «موديل» كييف الأوكرانية، مع أن الأقمشة واحدة، كونه يدعي أنه «رجل سلام»، سيوقف جميع الحروب على مستوى العالم، خصوصاً في غزة وأوكرانيا.

فاجأنا «بموديل» في غزة، يختلف عن «موديل» كييف.. في غزة هدد بتحويل الشرق الأوسط، إلى جحيم، قال ذلك قبل تسلمه رسمياً مقاليد البيت الأبيض، تصريحه هذا فاجأ كل الخبراء حول الشرق الأوسط، لكنه أرسل مبعوثه الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ونجح في إبرام صفقة لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين غزة وتل أبيب.

ترامب استبق، وقبل أن تنتهي المرحلة الأولى، وأعاد تصريحه وهو رئيس، وقال سأحول غزة إلى جحيم، إذا لم تتم صفقة تسليم الرهائن مرة واحدة، وليس على مراحل، عكس اتفاق الوسطاء.

الأخطر، أنه دعا رسمياً إلى تهجير أهالي غزة إلى مصر والأردن، ما يشكل جريمة تطهير عرقي، وسارعت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وقوى عالمية أخرى، إلى رفض هذا المقترح الذي ينافي القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تم توقيعها حول القضية الفلسطينية.

بالطبع رفض الأردن المقترح، ورفضت مصر مناقشته من الأساس، وكذلك المملكة العربية السعودية، وكل الدول العربية.

لعل ترامب، دون أن يدري، فتح الجعبة وأخرج الحقائق التاريخية الدامغة، بأن جعل الحلفاء قبل الخصوم، يخرجون بنصوص القوانين والقرارات الأممية دفاعاً عن الحق الفلسطيني أولاً، ودفاعاً عن استقرار الشرق الأوسط بالكامل ثانياً، وعدم السماح بتغيير بنية الخرائط الجغرافية، مهما تكن الضغوط أو المغريات أو الصفقات.

أما ترامب أوكرانيا، فيتجلى كرجل صفقات عظيم، يحرص على إيقاف الحرب الروسية - الأوكرانية، سارع بإرسال مبعوثه «ويتكوف» إلى الكرملين، يرتدي زي رجال الإطفاء لإخماد الحرائق المشتعلة منذ فبراير عام 2022.

يهاتف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتعجل عقد قمة ثلاثية بينه، وبين الرئيس بوتين، والرئيس الأوكراني زيلينسكي في المملكة العربية السعودية، يريد أن يذكرنا بقمة «يالطا»، التي عقدت في القرم عام 1945، بين الرئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين روزفلت.

والزعيم السوفيتي الأسبق، جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، تلك القمة التي حسمت تقسيم العالم، فيما بعد إيقاف عمليات الحرب العالمية الثانية، وسمي اجتماع «يالطا» باجتماع المنتصرين، قبل أن يفترق المجتمعون في الحرب الباردة التي دارت رحاها على مدى أربعين عاماً، ويبدو أن ترامب يريد استلهام نتائج «يالطا» على خطى روزفلت، فهو يحلم بنظام عالمي مختلف، يسجل فيه نفسه «صانع سلام».

الأمر يختلف هنا عن غزة، لأنه يريد 350 مليار دولار من أوكرانيا ثمناً للمساعدات الأمريكية التي أعطتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن إلى حكومة زيلينسكي، ويرى أن السلام مع روسيا «القيصرية»، أمر مهم لأوروبا، فروسيا نووية، وقد صرح ترامب بأنه لا يمكن الاصطدام بقوة نووية، منعاً لاشتعال حرب عالمية ثالثة وأخيرة، بالنسبة للعالم.

يتجلى ترامب، مفكر الصفقات في المسرح الأوكراني- الروسي، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب التي تتماشى مع فلسفته العقارية، واستراتيجيته في إدارة الاقتصاد العالمي، الذي يختلف عن أية فكرة اقتصادية منذ قرون طويلة، فهذا الرجل يغير من قواعد اللعبة بين الدول، فمصلحته في أوكرانيا تختلف هنا عن مصلحته في غزة، لماذا؟

ببساطة، لأن أوكرانيا مخزن السلع والمنتجات العالمية، وقد قال إنه سيستحوذ على المعادن مقابل الديون الأمريكية، ولا شك أن روسيا ستستفيد من رفع الحصار عنها، واسترداد أموالها المصادرة من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي.

أما مصلحته في غزة، فهو يراها بعين إسرائيلية، تهدف إلى توسيع الخرائط التوراتية، الأمر الذي يصادف هوى في نفسه كونه محاطاً بمجموعة من المتطرفين، لكنه يخطئ.

فالطرف المواجه لإسرائيل ليس خالياً من الأوراق أو القوة، وقد عاين بنفسه رد الفعل على اقتراح تهجير الفلسطينيين من بلادهم، وتراجع تكتيكياً، وإن كان لا يزال يؤمن بهذا الخيال المميت.

رئيس تحرير الأهرام العربي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد