: آخر تحديث
"إيلاف" تتابع معاناة "البقال" المغربي في ظل توسع الأسواق الممتازة

دكاكين بيع المواد بالتجزئة في الطريق إلى الانقراض

3
3
3

إيلاف من الرباط: في حي المامونية بمدينة سلا المجاورة للرباط ، حيث شكلت الدكاكين الصغيرة شريان الحياة اليومية، يجلس حسن في دكانه المتواضع، يترقب زبونًا قد لا يأتي، فيما يجذب السوق الممتاز غير بعيد منه الحشود بعروضه البراقة. 

قبل سنوات، كانت حركته التجارية نشطة، يستقبل زبناء الحي يوميًا، يتبادلون الأحاديث ويتشاركون هموم الحياة، لكن منذ افتتاح السوق الممتاز، بدأ الإقبال على دكانه يتراجع بشكل مقلق.    

من بعيد، يراقب حسن بوابة السوق الممتازة مشرعة على مصراعيها، تتلألأ بالأضواء والإعلانات الجذابة، فيما يعجز هو عن مجاراة الخصومات المغرية التي تقدمها. يقول بحسرة، ل"إيلاف" : "كيف لي أن أنافس أسعارهم؟ أنا أشتري السلع بثمن مرتفع ولا أملك القدرة على تقديم التخفيضات مثلهم، فالشركات الكبرى تمنحهم امتيازات لا نحلم بها نحن أصحاب الدكاكين الصغيرة".   

تجارة القرب في خطر 
يقر حسن بأن التطورات الاقتصادية وضعته في صراع غير متكافئ، حيث تستفيد الأسواق الممتازة من تسهيلات ضريبية وعروض ترويجية ضخمة، بينما يواجه البقالون تحديات متعددة، أبرزها ارتفاع التكاليف وتراجع الزبائن. ويقول "في السابق، كان الزبون يأتيني كل يوم ليشتري حاجته حسب ميزانيته، أما اليوم بات يفضل الذهاب إلى السوق الممتاز وشراء كل شيء دفعة واحدة. حتى الأطفال الذين كانوا يشترون الحلوى والبسكويت صاروا يذهبون مع عائلاتهم إلى هناك".   
من جانبها، تعترف أمينة، إحدى ساكنة الحي، بأن العادات الشرائية تغيرت لدى الأسر المغربية القاطنة في الحواضر والمدن الكبيرة، وتقول "الآن، نتوجه للدكان نادرًا لاستبدال قنينات الغاز أو شراء شيء بسيط، لكن لم يعد الدكان هو ذلك الفضاء الذي يشكل ملتقى الساكنة للأحاديث والجيرة".   

الأبعاد الاجتماعية للمنافسة 
لا يقتصر تأثير الأسواق الممتازة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي للحي. حيث أن الدكان لم يكن مجرد محل تجاري، بل كان فضاءً للتواصل والتآزر بين الجيران. تقول أمينة "البقال يعرفنا جميعًا، يساعدنا عندما نحتاج، ويسمح لنا بالدَّين إن تعسّر الأمر. لكن هل السوق الممتاز يمنحك هذه الثقة؟".    

وتشير الإحصائيات إلى أن تجارة القرب تمثل 80% من نقاط البيع في المغرب، وتساهم بنسبة 58% من رقم معاملات التجارة الوطنية، فضلاً عن تشغيلها لأزيد من 36% من العاملين في القطاع. لكن توسع الأسواق الممتازة يهدد هذه الأرقام بشكل متزايد، وسط غياب تدابير تحمي هذا القطاع الحيوي.   

مطالب التجار والحلول المقترحة 
يطالب أصحاب الدكاكين بضرورة تحقيق عدالة تنافسية، من خلال مراجعة الضرائب المفروضة عليهم، ومنحهم تسهيلات مشابهة لتلك التي تستفيد منها الأسواق الممتازة. كما يدعون إلى وضع قيود على انتشار الفروع الكبرى داخل الأحياء الشعبية، للحفاظ على استمرارية تجارتهم.  

وفي هذا السياق، دعت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية (معارضة) مجلس المنافسة (هيئة دستورية مكلفة ضبط المنافسة) إلى التحقيق في مدى احترام الأسواق الممتازة لقواعد المنافسة العادلة، ووضع آليات تنظم انتشارها داخل الأحياء السكنية المكتظة، تجنبًا لإلحاق ضرر أكبر بتجارة القرب.   

بين الصمود والاندثار 
بينما يعيد حسن ترتيب البضائع في دكانه، لا يخفي قلقه من المستقبل، ويتساءل "هل ستصمد الدكاكين الصغيرة أمام هذا المد الجارف؟ أم أننا سنشهد اختفاءها تدريجيًا؟". 
وفي ظل سوق لا يعترف إلا بالأقوياء، يبدو أن الدكان التقليدي يقف على حافة الانقراض، إلا إذا تدخلت السياسات لإنقاذ آخر معاقل تجارة القرب في المغرب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد