: آخر تحديث
إيلاف تقدم مشاهدات رمضان (2)

بين قوة المنصة وسحر النجومية.. أيهما يحكم المشهد الدرامي؟

5
5
5

إيلاف من الرياض: في خضم النقاشات التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، لفت انتباهي جدل واسع حول غياب عبدالمحسن النمر وإبراهيم الحساوي عن دراما رمضان هذا العام ، ولكن الحقيقة  أن لكل منهما أعمال تُعرض على منصات أخرى.

غيابهما عن "شاهد" تحديدًا أثار تساؤلًا جوهريًا حول من يحدد نجاح العمل الدرامي حقًا: هل هي قوة النجم وحضوره الطاغي، أم أن المنصة التي تعرض العمل هي صاحبة الكلمة الأخيرة في تحديد مدى انتشاره وجماهيريته؟.

نجاحات شارع الأعشى 
عند النظر إلى مسلسل مثل "شارع الأعشى"، الذي حقق نجاحًا جماهيريًا واسعًا داخل السعودية وخارجها، نجد أن العمل لم يعتمد على نجم واحد أو "بطولة مطلقة"، بل كان بمثابة نافذة لانطلاقة وجوه جديدة تمامًا، مثل لمى الكناني، عائشة كاي، براء عالم، وآلاء سالم، الذين باتوا حديث الجمهور والنقاد على حد سواء. نجاح المسلسل بهذا الشكل يثبت أن الجمهور قد ينجذب في البداية إلى أسماء مألوفة، لكنه في النهاية يبقى لما هو أعمق: القصة، الشخصيات، جودة التنفيذ، والقدرة على خلق تجربة درامية تلامس مشاعره وتخاطب وعيه. 

مجتمع فني يتشكل 
المجتمع الفني السعودي لا يزال في طور التشكل، وهو بحاجة مستمرة إلى ضخ مواهب جديدة، خاصة مع تنامي الإنتاج الدرامي واتساع نطاق الموضوعات المطروحة. وإذا كانت هناك جهة تمتلك القدرة على تشكيل خريطة النجوم في المشهد الفني السعودي، فهي بلا شك المنصات الكبرى مثل MBC، التي بات عليها التحلي بجرأة أكبر في دعم الوجوه الجديدة ومنحها فرصًا حقيقية.

ليس فقط لأنها تستطيع ذلك، ولكن لأن التجربة أثبتت أن هذه الاستراتيجية غالبًا ما تؤتي ثمارها. فكل نجم له بديل، وكل جيل له رموزه، لكن الرهان الحقيقي لا يجب أن يكون على الأسماء وحدها، بل على قوة النص، جودة الإخراج، وقدرة الإنتاج على صناعة محتوى يفرض نفسه بغض النظر عن هوية أبطاله.

الجرأة في التغيير .. تامر محسن ومحمد شاكر خضير مثالاً

هذا الموسم الرمضاني شهد عودة مميزة لإثنين من أبرز المخرجين في الدراما المصرية، تامر محسن ومحمد شاكر خضير، حيث عاد الأول بمسلسل "قلبي ومفتاحه"، بينما قدم الثاني مسلسل "إخواتي"، وكلاهما لم يكتفِ بتقديم عمل جديد فحسب، بل قرر خوض تجربة إخراجية مختلفة، في خطوة تعكس رغبة صادقة في التطور وكسر التوقعات. الجمهور بطبيعته يميل إلى الاعتياد على أسلوب معين لكل مخرج، لكنه في الوقت ذاته يبحث عن التجديد، وهو ما أدركه كلا المخرجين هذا العام.


تامر محسن، المعروف بحبكاته الدرامية  المعقدة، غامر بالخروج من هذا الإطار ليقدم عملًا يميل إلى الرومانسية الخفيفة، وهي تجربة بدت في بداياتها متذبذبة بعض الشيء، لكنها مع تصاعد الأحداث نجحت في جذب المشاهدين واستعادت تلك اللمسة الدرامية المحكمة التي تميز بها محسن في أعماله السابقة.
وعلى الجانب الآخر، قدّم محمد شاكر خضير عملًا فانتازيًا ساخرًا مختلفًا تمامًا عن كل ما قدمه سابقًا، لكن المفاجأة الأكبر في "إخواتي" كانت في الحس النسائي العميق الذي ميّز الإخراج، وكأن من يقف خلف الكاميرا ليست مخرجًا بل مخرجة، ما منح العمل روحًا خاصة جعلته أكثر صدقًا في تناول قصص شخصياته النسائية وتعقيداتها النفسية والاجتماعية.


المغامرة بالتغيير ليست سهلة، فقد يكون النجاح مضمونًا عند تكرار ما تم تقديمه من قبل، لكن البقاء في الدائرة الآمنة لا يصنع مخرجًا متجددًا. والأعمال التي قدمها محسن وخضير هذا العام تؤكد أن النجاح الحقيقي لا يكون في تكرار النجاحات السابقة، بل في القدرة على التطور وإعادة اكتشاف الذات، حتى لو جاءت النتائج متفاوتة.

المفاجأة الأجمل 80 باكو
وسط هذا الزخم الرمضاني، ظهر مسلسل "٨٠ باكو" كأحد أكثر الأعمال تميزًا، ليس فقط لأنه يمثل التجربة الدرامية الأولى للمخرجة كوثر يونس، بل لأنه استطاع أن يخلق حالة درامية مختلفة تمامًا عما هو سائد. بأسلوب بصري بسيط لكنه بالغ التأثير، نجح المسلسل في تحقيق توازن فريد بين الكوميديا والإنسانية، حيث قدم شخصياته بعمق لافت، وحوّل المساحة الصغيرة لمحل كوافير نسائي إلى عالم درامي متكامل يعكس الحياة اليومية بكل تناقضاتها وتعقيداتها.


انتصار، هدى المفتي، دنيا سامي، ورحمة أحمد قدّمن أداءً متناسقًا مليئًا بالعفوية والتلقائية، حيث بدا وكأن العمل لا يعتمد على نص مكتوب مسبقًا، بل على مواقف واقعية وحوارات من قلب الشارع. روح العمل ذكّرت البعض بفيلم "كراميل" للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، ليس فقط في طبيعة المكان الذي يدور فيه، ولكن أيضًا في طبيعة العلاقات التي يصورها، وطريقة التقاط التفاصيل الصغيرة التي تعكس هموم وأحلام وتناقضات الشخصيات النسائية فيه.
لكن "80 باكو" لم يكن مجرد عمل كوميدي بسيط، بل تجربة درامية تحمل بُعدًا واقعيًا موجعًا بقدر صدقه، ما جعله أحد أكثر الأعمال تميزًا في الموسم الرمضاني. وهو أيضًا تأكيد على أن كوثر يونس ليست مجرد مخرجة تمتلك رؤية سينمائية، بل صانعة محتوى درامي قادرة على صياغة عوالم شديدة الخصوصية، تتجاوز حدود القالب التقليدي وتفرض نفسها كصوت جديد ومختلف في عالم الدراما.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه