سان فرانسيسكو: تمول الإدارة الأميركية أدوات للالتفاف على الرقابة في روسيا باتت أساسية للعديد من المواطنين والناشطين في هذا البلد لضمان عدم عزلهم عن العالم.
ومنذ بدء غزو أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، كثفت موسكو دعايتها وحدّت بشكل صارم من وصول مواطنيها إلى مصادر الأخبار غير الرسمية، أي وسائل الإعلام التي تتحدث عن "حرب" في أوكرانيا وليس عن "عملية خاصة" تهدف بحسب رواية الكرملين إلى "اجتثاث النازية" في هذا البلد المجاور.
وسجلت الشبكة الافتراضية الخاصة "سايفن" Psiphon التي تسمح بالالتفاف على الرقابة في مطلع العام حوالى 48 ألف اتصال بالانترنت يومياً في روسيا.
وازداد عدد الاتصالات بالانترنت بعشرين ضعفاً في منتصف آذار/مارس بالتزامن مع حظر الحكومة فيسبوك وإنستغرام وتويتر. وتؤكد الشبكة اليوم أنها تعد أكثر من 1,45 مليون مستخدم يوميا بالمتوسط.
وتقول ناتاليا كرابيفا الحقوقية من المنظمة غير الحكومية الأميركية "أكسيس ناو" إن "التلفزيون الروسي لا يبث سوى دعاية فظيعة تحرض على الكراهية والقتل".
وبالتالي باتت الأدوات المعلوماتية للتصدي للرقابة أساسية للاطلاع على مصادر معلومات أخرى، كما للتواصل بحرية مع الأقرباء.
وأوضحت الخبيرة "يجب أن تكون البرمجيات سهلة الاستخدام وآمنة، وإلا فقد يتم رصد المستخدمين ووضعهم تحت المراقبة".
ويؤكد ديرك رودنبورغ أحد مدراء سايفن أنه بدون الدعم المالي من الإدارة الأميركية "لما كنا بكل بساطة نملك الوسائل لتوفير أدوار متطورة كهذه، وليكون لنا بالتالي مثل هذا التأثير".
أداة مضادة للرقابة
وتحظى سايفن على غرار شبكتي لانترن ونثلينك بدعم صندوق التكنولوجيا المفتوحة Open Technology Fund وهو صندوق حكومي ينفق ما بين 3 و4 ملايين دولار في السنة لتمويل شبكات افتراضية خاصة في العالم تحت شعار حرية التعبير.
وأفادت المنظمة وكالة فرانس برس أنها خصصت أموالاً إضافية طارئة إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا هذه السنة.
وبحسب تقديراتها، فإن حوالى أربعة ملايين شخص في روسيا يستخدمون حالياً هذه الشبكات الخاصة الثلاث لتصفح الإنترنت، ويتم ذلك مجاناً إذ انسحبت خدمات الدفع من هذا البلد عملا بالعقوبات الدولية.
وقال متحدث باسم لانترن لوكالة فرانس برس "لسنا شبكة افتراضية خاصة حقاً، بل أداة مضادة للرقابة".
وأوضح أن "الشبكات الافتراضية الخاصة التقليدية تكون مشفرة حتى لا يتمكن مسؤولو الرقابة من الاطلاع على المحتويات التي يتم تصفحها ... لكنه من السهل على بلد مثل روسيا حجبها" في حين أن سايفن ولانترن تستخدمان وسائل أكثر تطورا "حتى لا يتم رصد خوادمنا".
واستفادت الشركتان الناشئتان من خبرتهما في دولتين أخريين يحكمهما نظام متسلط هما بيلاروس وبورما.
وروى المتحدث باسم لانترن "قبل سنتين انتقلت الصين إلى مستوى جديد، بذلت الكثير من الجهود لمحاولة حجب كل شيء. كان يتحتم علينا وضع بروتوكولات جديدة كل أسبوع. وبالتالي، كنا جاهزين لروسيا".
وقبل الحرب على أوكرانيا، كانت روسيا تستخدم التخويف السياسي أكثر من الوسائل المعلوماتية لقمع المعارضين.
وأضاف المتحدث "لم يكونوا جاهزين لحجب أي شيء، كان هناك تماثل واضح بين عدم الكفاءة العسكرية الروسية وعدم الكفاءة على الإنترنت".
تنظيم صفوف المقاومة
يرى الخبراء الذين تم الاتصال بهم أن السلطات الروسية تخطت عن تأخرها، لكن الأدوات المضادة للرقابة تقاوم.
ويوضحون أنه حتى لو كانت مستخدمة فقط من نسبة ضئيلة من المواطنين، فهي تبقى أساسية بالنسبة للمقاومة.
وأقرت روسيا في آذار/مارس قانوناً يعاقب على "المعلومات الكاذبة" التي تسيء إلى سمعة الجيش الروسي.
وذكرت ناتاليا كرابيفا أن التوقيفات لا تزال نادرة في الوقت الحاضر لكن العديد من الصحافيين والناشطين الذين تلقوا تحذيراً أولاً من السلطات يفضلون الخروج إلى المنفى.
وتابعت الخبيرة أن "العديد من المحامين يبقون في البلد ويلزمون الصمت حتى يتمكنوا من الدفاع عن الذين يواصلون التعبير عن رأيهم. وآخرون يرحلون. ثمة منظمات كثيرة لديها أشخاص على الأرض وآخرون في الخارج، ويتحتم عليها إيجاد وسائل تمكنها من العمل".
ومن المستحيل بدون الشبكات الافتراضية الخاصة وغيرها من الأدوات تنظيم صفوف المقاومة.
وقالت ناتاليا كرابيفا "ثمة أمور كثيرة تحصل، على الإنترنت إنما كذلك في الحياة الحقيقية" مشيرة إلى أن بعض الناشطين "يبثون رسائل معادية للحرب أو يشرحون السبل القانونية للإفلات من الخدمة العسكرية، فيما يحاول آخرون قطع الطريق على القطارات التي تنقل معدات عسكرية إلى أوكرانيا".
ومن الصعب معرفة ما إذا كان الحفاظ على إمكانية الدخول إلى الإنترنت العالمي له تأثير أبعد من جيوب المعارضة في روسيا.
وأقرت ناتاليا كرابيفا بأن "التكنولوجيا ليست حلاً سحرياً، لكن الأمر أسوأ حين تكون الإنترنت خاضعة بالكامل للرقابة".