يمر هذه الأيام ربع قرن على انتشار شبكة الإنترنت في العالم - وفق معيار التفعيل في سوريا - والتي كتبت شخصياً الكثير فيها ووجدتها السلاح الكردي الأول، ودعوت في وقت مبكر إلى - ميثاق إنترنيتي - بين الكتاب الكرد، لئلا يتم استخدامه على نحو خاطئ، وهو ما نشرته في كتاب لي هو "العدوان الإلكتروني: توأمة الجهل وفوضى إعلام الديجيتال"(1)، ولا شكَّ في أنَّ الكرد قد استفادوا من هذا المعطى المعلوماتي العولمي الكثير والذي تم بموجبه هدم الحدود وكسر الرقابات على الجرائم التي كان طغاة المنطقة يرتكبونها، بحق شعوبهم، بالإضافة إلى فضح آليات الفساد التي كانت غير مكشوفة، وليس خافياً على أحد مما أركز عليه دائماً وأقول: إن أكثر ما آزر على ربيع المنطقة - هو وسائل الإعلام هذه ما أدى إلى إسقاط أنظمة كثيرة، ما كان لها أن تسقط لولا وسائل التواصل الاجتماعي التي استفيد منها، خارج مهمتها الموكلة إليها، وكانت خير نصير للمضطهدين - بفتح الهاء - في مواجهة مضطهديهم - بكسرها، إذ غدا لكل امرىء منا صوته، ومنابره، على منصات إعلامية قد يكون لبعضها فعلها أكثر من بعض وسائل الإلام التقليدية من صحف ومواقع إلكترونية وراديوات وتلفزيونات رغم أن أكلاف أي منبر من هذه المنابر يصل ملايين الدولارات سنوياً، بينما لا يحتاج إطلاق أي منصة من هذه المنصات مجرد فلس واحد في حال توافر: خط أنترنيتي وجهاز هاتف ذكي!
انتفاضة 12 آذار
في تصوري أنَّ من ساند الشباب الكردي الذي تم اعتقالهم وتعذيبهم في سجون النظام البعثي هو توافر شبكة الإنترنت التي قال عنها المجرم محمد منصورة للقائه بالأحزاب الكردية كما نقله إلينا عضو مكتب سياسي في أحدها قوله: في مثل هذا الوقت من الليل شبابكم يرسلون أخباراً مغرضة كاذبة ضدنا!. ولعلنا نعلم كيف أن النظام الذي كان يتطير من وسائل الاتصال والإعلام عامة قد أمن أداتين قبل نشر المعلوماتية التي نسب زوراً إلى بشار الأسد بأنه معلمها الأول، وهو الذي ما كاد يعرف إلا فتح إيميله الشخصي كما كان يقال آنذاك، إذ قال ذات مرة عبر جريدة عربية كانت تصدر في لبنان - إن لم تخني الذاكرة - عند انتشار أجهزة الساتلايت: في إمكاني منعها خلال قرار لا يستغرق دقيقة!
ولا ننسى هنا، الدور الكبير الذي وقفه الشباب الكردي في أوروبا، من خلال مشاركاتهم في الاعتصامات أمام السفارات الأجنبية، بل واحتجاجاتهم أمام سفارات النظام، كاسرين ربقة آلة الرعب، دعماً لذويهم في الوطن، وكانت اعتصاماتهم هذه مدعاة تشجيعنا في الوطن لنقول كلمتنا، مؤدين دورنا كإعلاميين وأصحب كلمة.
هؤلاء الأعداء الذين لا ينامون
خلال انتفاضة الثاني عشر من آذار (مارس) قال لي الروائي الصديق عبد الباقي يوسف إنَّ - فلاناً - المسؤول الثقافي كان قد تباهى بالقول: أصور يومياً ما ينشره الكتاب الأكراد، وأوصله إلى المحافظ، والقيادة، وقريباً سيتم اعتقال إبراهيم اليوسف. بل إنه قال ذات مرة في فترة ما بعد الانتفاضة: نعلم كل ما يقوم به إبراهيم اليوسف، وللأسف فإن كلاً من الشاعرين (... و...) كانا في زيارته وشوهدا يخرجان من بيته في وقت متأخر، ولعله - كما أتصور - نقل عاصفة أحقاده ضد هذين الشاعرين بعد قرار منعي من إلقاء الشعر، في المركز الثقافي في قامشلي، ومن ثم الحسكة، وتنفيذ أنشطتي في: ديرك، الدرباسية، ديرالزور، ريف دمشق، وحلب. إذ كان يحق لكل عضو اتحاد كتاب إقامة اربع أمسيات أدبية اثنتان منها ضمن محافظته والأخريان خارجها.
طبعاً، منذ ديواني الأول "للعشق للقبرات والمسافة1986"، تمت مصادرة نسخ ديواني في مكتبة اللواء رغم ترخيص المجموعة وطباعتها بالتعاون مع اتحاد الكتاب في دمشق، وتم نقلي التعسفي من الثانوي إلى الابتدائي إلى مكتب محو الأمية إلى المجمع التربوي إلى وزارة الزراعة إلى تربسبي - قبور البيض، وعانيت هناك من إدارة موصى بها وشخصيتين سيئتين: يموجه لغة عربية ورئيس مجمع تربوي، ولن أذكر أسماء إداريين في مدرستي فايز منصور ممن أساؤوا إلي، وكانوا عيوناً على تحركاتي، وتعرضت هناك إلى حادث "..." يعرفه أصدقائي في تربسبي.
حقيقة إن الأعداء لا ينامون، فممن كان يصور منشوراتنا التي تنشر على مواقع الإنترنت، إلى من يصور حتى بوستات صغيرة ويرسلها إلى شتامين أو إلى أجهزة النظام - سابقاً والآن - وقد رأيت بأم عيني ذلك في أحد مطارات سوريا عندما تم توقيفي في المطار وأخذ جواز سفري بناء على تقرير من أحدهم، كان قد وصل إلى المطار قبل ساعات من وصولي وفيه: منع من الأمن القومي بمغادرة سوريا - ولا أعتقد أن كثيرين من الممنوعين من السفر أصدر بحقهم هكذا قرار، فقد كان منعي من قبل جهاز آخر قبل هذا الجهاز، وقد تعرفت فيما بعد على الموظف الذي انشق عن النظام في أول الثورة وهو: قاسم حنيني الذي تعاطف معي، وراسلني بعد هروبه من الوطن مذكراً إياي بالموقف، ناهيك عن أن اسمي وبعض أولادي بين قوائم المطلوبين فوراً، كما أكد الكاتب عبدالحميد جمو، وكما يظهر ذلك في محركات البحث. أعطيت المبلغ المالي وحقائبي للصديق الشاعر محمد سعيد يونس الذي كان معي على متن الطائرة ذاتها، ليعلم أهلي، إلا أنهم اكتفوا بأخذ جواز سفري والتحقيق معي، إلى أن تدخل الصديق الشاعر صقر عليشي واتصل بنائبة رئيس الجمهورية د. نجاح العطار التي توسطت للسماح لي بالسفر مرة واحدة- خارج القطر - دون عودة، منقذين - بعد إعلامه من قبل صديقي المفكر إبراهيم محمود، حياتي بعد أن سلطت أجهزة الأمن زبانيتها ضدي، وتم اعتقال حفيظ عبدالرحمن وصودر أرشيفه.
شهادة أقولها أول مرة للتاريخ
نشرت الكثير من مقالاتي في صحيفة الخليج من خلال أصدقاء لي: وليد معماري قبل أن نختلف، ووليد إسعيد وعبدالكريم عبدالصمد وآخرين نسيت أسماءهم من رؤساء أقسام الثقافة الذين لن أنسى وقفتهم إلى جانبي، وقد تعززت العلاقة مع الصحيفة أكثر بعد أن أسندت إلى الصديق د. خلف الجراد، ابن الحسكة، الشهم، إدارتها العامة، فقد فتح لي أبواب الكتابة على مصراعيها، وكنت أنقل معاناة الناس، في تحقيقات لاتزال عالقة في ذاكرة من دافعت عنهم. في الفترة ذاتها، كنت انشر مقالاتي- النارية ضد النظام - في مواقع النشر الأولى "كلنا شركاء" و"أخبار الشرق" المواقع الكردية المعروفة آنذاك ومنها مواقع كانت قد أطلقت من بيتنا. اتصل بي ذات مرة د. خلف الجراد هاتفياً، وقال: "إبراهيم ليتك تكون عندي غداً"، فحجزت مقعداُ في الطائرة، بموجب بطاقتي الصحفية المخفضة، ووصلت إليه صباحاً، ليطلب لي فنجان قهوة، ويأمر البواب بإغلاق الباب، قائلاً: "إبراهيم. ضابط من القصر الجمهوري كان عندي أمس جاء بخصوصك، فقد وصلت تقارير ضدك بأنك تنشر في تشرين إلى جانب نشرك في المواقع المعادية ولك مقالات تتناول فيها السيد الرئيس وأنت تعلم بأن نشرنا لك سينعكس علينا، لذلك قلت لهم:
- إبراهيم اليوسف الذي ينشر عندنا هو ليس الذي ينشر في تلك المواقع.
لذلك فإنني أنصحك. أبواب الجريدة مفتوحة أمامك. لا أنسى المقابلة التي كلفت رفيقك الصحفي سالم علو بإجرائها معي في الجريدة المركزية للحزب الشيوعي فقد كسرت طوق الحصار الذي تم نتيجة التأليب علي (أي عليه) بسبب مشروع رابطة الخريجين الجامعيين وتم تهميشي والحرب علي. ولا أنسى أني استعنت بمكتبتك في مشروع كتابي عن الإيزيدية بعد أن زارك د. أحمد الحسين وجلبها، وهي من بين مراجعي".
للتاريخ، فقد كان قراري ترك الكتابة في صحيفة تشرين. إذ لم أنشر فيها، لاسيما بعد الثاني عشر من آذار (مارس) 2004، ورفضي لطلب كتابة زاوية كانت في آخر الجريدة، عن الوحدة الوطنية، ورفضي لمقابلة تلفزيونية جاء د. حسان موازيني من دمشق إلى قامشلي لتغطية أعمال الشغب وكان ضيفاً في منزل صافي المحمد، وبحضور المحامي عثمان عثمان وأصدقاء آخرين.
لا أنسى البتة، وقفة د. خلف الجراد تلك معي، إذ كنت حقاً في حاجة للنشر بسبب ظروفي، وكنت من الشيوعيين الذين لم يكونوا قد شكلوا علاقات مع الصحافة الخليجية حتى العام 2003، عندما نشرت أول مقابلة مع شيركو بيكس في مجلة العربي الكويتية(2).
يتبع....